«الحلابات» و« الذيابات » : محاولة للفهم...!
ما لم نتمكن من الإجابة على سؤالين مهمين لفهم ما يجري خلال الأسبوع الماضي، سواءً على صعيد “مزرعة الحلابات” أو “قضية الذيابات”، فإن انفعالاتنا ستنتصر على أفعالنا، كما ان اجاباتنا ستكون مبتسرة وغير مقنعة.
صحيح ان القضيتين مختلفتان في الشكل، لكن مضمونهما واحد، كما ان “ طينة” “ المجتمع التي خرج منها الفاعلون فيها واحدة، زد على ذلك انهما شكلا “صدمة” للجميع، وبالتالي فإن ادراجهما تحت عنوان واحد سيضعنا أمام مرآة أنفسنا لنكتشف ما طرأ على صورتنا من “تشويه” وما تغلغل داخلنا من إحساس بالحيرة والخيبة.
السؤالان المهمان هما: لماذا حدث ذلك...وكيف؟
حين ندقق في تفاصيل القضيتين كلاّ على حده، سنجد ان “غفوة “ القانون وأقصد حراسه والمعنيين بتطبيقه كفيلة بأن تترك فراغاً كبيراً يملؤه في العادة الشطار وهواة “الجري السريع” لتفريغ طاقاتهم “المحبوسة” بأنواعها المختلفة، سنجد ثانياً ان اخلاقيات بعض الناس في بلادنا تراجعت لدرجة اصبح فيها لدينا طبقة من “المتوحشين” الذين لا تهمهم الاّ مصالحهم ، سنجد ثالثا أن صوراً وقيماً كالبلطجة والحرمنة والفتوة والزعرنة قد طغت على سطح مجتمعنا وأصبحت جزءاً منه، كما انها وجدت من يحملها ويدافع عنها باعتبارها حاجة لفرض الهيبة او الاكتساب او الدفاع عن مناطق النفوذ.
في التفاصيل، لا يمكن لأحدنا ان يتصور بأن شخصاً مهما كانت قدراته ومهارته يستطيع ان “يركب” شبكات عملاقة لسرقة الكهرباء، او أن يغيب أكثر من عشر سنوات عن عين “الرقيب” الإداري، او ان يتصرف بالماء والكهرباء دون ان يلفت نظر مسؤول هنا وهناك.
لا يمكن -ايضاً- ان نتصور بأن بضعة رجال من الأمن سينهالون بالضرب على مواطن (أستاذ في جامعة) لمجرد توقيع شيكات، وأن يحدث ذلك في مطعم أمام الناس، وألا يتذكر أي واحد منهم بأنه ينتسب لجهاز مهم له سمعته الطيبة وقوانينه الحازمة.
لا يمكن ان نتوقع ان يحدث ذلك الاّ إذا افترضنا مسألتين: الأولى هي ان ماكينة “المواطنة” تعطلت تماماً، بحيث لم يعد الكثيرون مما تجرأوا على سرقة موارد الدولة والمال العام او اسأوا لمؤسساتهم يشعرون انهم جزء من دولة وقبل ذلك من وطن يجب ان يحافظوا عليه، والمسألة الثانية هي ان إحساس هؤلاء بغياب المحاسبة والعقاب دفعهم الى مدّ السنتهم للمجتمع، فعلوا ذلك لأنهم ، اولاً، وجدوا نماذج ملهمه اغرتهم على المغامرة بفعل الخطأ، وثانيا لأن لديهم اصلاً “القابلية” للتعامل مع مجتمعهم بأسوأ ما لديهم.
ما حدث -فعلا- في “مزرعة الحلابات” لم يكن مجرد “سرقة العصر للكهرباء والماء” وانما فضيحة لمجتمع لم يفتح عينيه على مزرعة مساحتها أكثر من 1000 دونم، وللمؤسسات ظلت نائمة “بالعسل” نحو عشر سنوات دون ان تكشف انها مسروقة، وأن “عصابة” عبثت في مواردها، ليس فقط من خلال سحب الكهرباء وحفر الآبار وانما شراء المعدات بمئات الآلاف من الدنانير...كيف حدث ذلك، وكيف مرّت “القصة” على عين الرقيب، وكيف ان احداً في بلد يعرف الناس فيه بعضهم لم ينبته لصحراء تتحول الى مزرعة...وكأن الماء والكهرباء نزلت عليها بالبراشوت.
ما حدث – أيضا- في قضية “الذيابات” ليس بعيداً عن ذلك، لكن يجب التعامل معه في سياقين آخرين: أحدهما ان القضية لم تكتمل بتفاصيلها بعد، وبالتالي فإن ما سجلته من “أصداء” مفزعة لا تحتاج لتعليق، اما السياق الثاني والأهم فهو ان ما حدث يجب ان لا يمس او يجرح جهاز الامن الذي نعتز به جميعا، صحيح ان قضية بهذا الحجم تحتاج الى تحقيق عادل يكشف التفاصيل أمام الرأي العام، لكن الصحيح ايضاً هو ان ما قام به هؤلاء يجب ان يصنف في “دائرة” الاستثناء بشرط ان لا يتكرر مستقبلاً.
الدستور 2017-10-08