رسالة إلى المدرسة والجامعة
يسافر بعض التلاميذ في المدرسة، وبعض الطلبة في الجامعة، كل عام إلى الخارج، منفردين أو مع ذويهم أو مع رفاقهم، يقضون بضعة أيام في هذا البلد أو ذاك، يرون فيها الجديد، أو المختلف، ويتعلمون المفيد، ثم يعودون إلى بلدهم ومدارسهم وجامعاتهم، ليتحدثوا إلى بقية الأهل، أو الأصدقاء، أو الزملاء عما رأوا أو شاهدوا وتعلموا، وبعد ذلك يطوي الزمن هذه الذاكرة بالنسيان.
أقول للمدرسة والجامعة: لماذا لا تستفيدان من هذه الأسفار أو الرحلات؟ يمكن معرفة المسافرين من التلاميذ أو الطلبة ودعوة من يرغب منهم لإلقاء كلمة في الزملاء والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات عما رأى وشاهد وخبر في اسبانيا، أو اليابان، أو جنوب أفريقيا، أو أميركا.
بهذه المبادرة نضيف بعداً مفيداً وجميلاً إلى حياة التلميذ أو الطالب والمدرسة والجامعة، ونجعل للسفرات أو الرحلات قيمة، فيعدُّ المسافر/ة نفسه منذ البداية للانتباه لكل ما سيرى ويشاهد ويخبر. ويقدم حديثه في المدرسة أو الجامعة بالكلمة والصورة التي التقطتها الكمرة أو التلفون الخلوي.
وبمواظبة المدرسة والجامعة على ذلك يصبح السفر مدرسة أو جامعة جديدة، وليس مجرد تغيير أو تنفيس زائل، وإنما ذكرى لا تنسى. كما يكتسب التلميذ/ة أو الطالب/ة المسافر مهارات كثيرة في أثناء الرحلة، وتبقى معه بالحديث عنها وتقديمها. ويزيد من قيمتها حضور المدير/ ة أو الرئيس/ة لهذا اللقاء لإعطائه الجدية أو القيمة اللازمة.
استغرب سهو الإدارات المدرسية والجامعية عن ذلك مع أنه أفضل تربوياً وتعليمياً وشخصيا للتلميذ/ة والطالب/ة من كثير مما يتعلم في المدرسة والجامعة. يكفي التلميذ/ة والطالب/ة الوقوف أمام الإدارة والرئاسة والمعلمين والمعلمات والأساتذة والأستاذات والزملاء والزميلات، وتقديم نفسه والحديث عن رحلته بالكلمة والصورة. إن شخصية جديدة قوية تنشأ.
*****
الناس الذين يُقتلون بالحروب بأنواعها وأشكالها ودرجاتها وقصرها وطولها لا يقتلون بالسلاح أو بالحديد والنار كما يبدو لنا الأمر في الظاهر. لو تعمقنا في الأمر لاكتشفنا انهم يقتلون بالأفكار والمعتقدات. ومع أنهم يقاتلون من أجل البقاء إلا أنهم يُقتلون ويذهبون من أجل بقاء الأفكار أو المعتقدات. وما السلاح أو الحديد والنار إلا وسيلة للتعبير عن ذلك. ولذلك لا تصدق كل تخرصات الأكاديميين أو الباحثين في الغرب والشرق في أسباب وعوامل الإرهاب، بنسبتها إلى البطالة، أو إلى الفقر، أو إلى التهميش، أو إلى اليأس..لأنه لو أزيلت كل هذه التخرصات لبقيت الأفكار أو المعتقدات فاعلة بمقدار ضغطها على صاحبها. هل يفجر عاطل عن العمل، أو فقير، أو مهمش، أو يائس، حزاماً ناسفاً يحمله على وسطه نفسه في عزاء، أو في عرس، أو في شارع، أو في مكتب، أو في أناس مصادفين لا يعرفهم وليس بينه وبينهم أي عداء شخصي، فيقتلهم أو يقطعهم أشلاء؟ إنه يقوم بذلك بإقدام وشجاعة نابعين من أفكاره ومعتقداته. إذا كان المرء فقيراً أو عاطلاً عن العلم فإنه قد يسرق / أو يسلب.. وإذا كان مهمشاً أو يائساً فإنه قد ينتحر، ولا يفجر نفسه في الناس المصادَفين.
كما لا يستطيع أن يقوم بهذا الأمر المعقد واحد من هؤلاء لأنه ليس عملاً فردياً أي أنه يحتاج إلى إعداد وتدريب ومهارة مسبقة يوفرها تنظيم، وإلى شجاعة فائقة توفرها الفكرة أو العقيدة. لا يستطيع مجرد الفقر أو البطالة أو التهميش أو اليأس توفيرها.
لو كان الأمر كما يدعي الأكاديميون والباحثون المستعجلون للشهرة والمكافأة لكان المفجرون الانتحاريون بالملايين. إن الأفكار والمعتقدات هي التي تقتل، أو تشيع السلام والوئام في المجتمع والعالم، وإن الاعتراف بالتعددية وتبني العلمانية والديمقراطية وقبولها هو السبيل لوقف الإرهاب.