حجر ملح
وأحياناً سيخدعك المظهر دون أدنى شك، وستحسب الورم الرجراج شحماً وسُمنة وصحة، وستشتري البقرةً على أنها مكتنزة باللحم ومدرارة للحليب، لكنك ستفاجأ بعد فوات الأوان، إنها لا تحلب إلا ما يملأ دلوا صغيرا، قد تحلبه عنزة هزيلة.
وستهرع ببقرتك التي ابتليت بها إلى بيطري خبير، وسيخبرك بعد فحص دقيق إن بطنها الضخم، ما هو إلا هواء منتفخ؛ فالظاهر إنها أكلت أشياء لا تهضم ولا تغني من جوع، وسيجري لها عملية جراحية عاجلة، ويستخرج من أمعائها بضعة كيلوغرامات من البلاستيك الملفوف، وسيجد في أحشائها مغناطيساً كبيراً، جاذباً حوله كثيراً من المسامير: تباً لهذه البقرة العجيبة، ألم تجد شيئا تأكله إلا الحديد والبلاستيك؟!.
والطبيب سيوضح الأمر: البلاستيك الملعون، كانت البقرة تضطر لأكله بشراهه عند صاحبها الأول، كي تحصل على حاجتها من الأملاح، فالظاهر أنه كان يبخل عليها حتى بأحجار الملح، التي في العادة توضع في المزارع لحفز البقر على شرب مزيد من الماء.
أما المغناطيس فلربما أن البقرة قد ابتلعت الكثير من المسامير الصغيرة، كنقرشة وتسلية بين الوجبات، مما اضطر صاحبها الذكي، أن يجبرها على ابتلاع مغناطيس كبير، كي يجذب إليه المسامير، ويمنع تشتتها في طيات الكرش تلافياً لحدوث جراح داخلية نازفة تودي بحياتها.
إذن عليك، أن توفر للبقرة أحجاراً من الملح؛ كي تلحسها كل حين، وتأخذ حاجتها، لتكف عن أكل البلاستيك ولعق الجدران!، وإلا فالأمر مرشح لمزيد من الورم الكاذب الوهمي، ولأن البقر تشابه عليكم الآن، فكان لزاماً ألا يتشابه البشر علينا أيضاً، بل كان واجباً أن نعرف أولئك الذين انتفخوا ثم انتفخوا ثم تضخموا، حتى تحولوا إلى كروش كبيرة مكورة، ليس لأنهم قضموا البلاستيك والورق فقط، بل لأنهم أكلوا أخضرنا قبل يابستا، وتركوا خلفهم أحجارا من ملح قابلة للحس.
الوعود المضمخة بأملاح الكذب، لن تزيدنا إلا عطشا على عطش وكربا على كرب، وحتى لو أخذوا بيدنا فذلك إنهم سيقودوننا إلى موج البحر، نشرب منه شرب الهيم فلا نروى، ولسوف تتكاثر حولنا الكروش والكروش: كل كرش به مغناطيس كبير جاذباً حوله مسامير نعوش كانت تمشي على الأرض بغير هدى.
الدستور 2017-10-09