الأحزاب في مواجهة المعنى والجدوى
ألقى حزب التيار الوطني حجرا في بركة الأحزاب، وكانت الجلسة التي عقدها المجلس المركزي مواجهة صريحة مع الذات كما هي أيضا مواجهة مع الدولة والمجتمع، فالعمل الحزبي كما قال السيد عبد الهادي المجالي رئيس الحزب يواجه حالة من التغييب والتهميش، كما "نعيش مرحلة من عدم وضوح الرؤيا السياسية"، وتساءل المجالي كما في التقرير الذي نشرته الغد (8 تشرين الأول 2017) أسئلة تحمل إجاباتها؛ هل هناك فائدة من العمل الحزبي؟ وهل تقدمنا خطوة للأمام في ظل غياب الأمل، وفي ظل تغييب العمل الحزبي وعدم اتخاذ اجراءات تشريعية تعمل على تعميق الحياة الحزبية وتقويتها؟ وفي السياق نفسه أضاف أحمد الحمايدة رئيس اللجنة المركزية للحزب هل هناك مستقبل للحياة الحزبية في الاردن؟
وبالطبع فإنها مقولات وأفكار ليست مفاجئة، لكن المفاجئ هو الاعتراف بالحالة ومواجهة الذات بها، فالحياة الحزبية في البلاد أقرب إلى الوهم، حتى حالة حزب جبهة العمل الإسلامي الموصوفة بأنها استثناء من حيث امتلاك قاعدة اجتماعية واسعة فإنها في واقع الحال لا تخرج عن وصف الحالة الحزبية القائمة، ذلك أنها قواعد اجتماعية غير قائمة على الموارد والشروط الحقيقية للمشاركة العامة، ليست سوى تجمعات تمزج بين التعصب الديني والجهوي، ففي إكساب التعصب والانفصال الاجتماعي حالة من التدين يتحول العمل السياسي كما الانتخابات النيابية والنقابية والبلدية والطلابية إلى انفصال عن الواقع واستعلاء عليه، وليس عمليات سياسية ونقابية تؤثر في السياسات العامة باتجاه اهداف المجتمعات والناخبين، وفي ذلك فإنها حالة خطيرة؛ أشد خطورة وضررا من الركود الحزبي والعزوف الشبابي والاجتماعي عن المشاركة العامة والحزبية.
والحال أن نخبة أو طبقة سياسية واجتماعية غير واضحة المعالم صرنا نسميها "الحكومة" أدارت الانتخابات والحياة السياسية على نحو يمضي بها بعيدا عن أهدافها ويمنع تشكل جماعات وأحزاب تتنافس على السلطة وتتداولها، وبطبيعة الحال فإنها سياسات أضعفت المجتمعات نفسها وعزلتها عن فرص التأثير والمشاركة، هكذا فإن الانتخابات العامة لم تعد تقدم القيادات الاجتماعية المعبرة عن مصالح وأهداف المدن والمجتمعات والمواطنين، ثم وفي حالة من التراجع والانهيار لم تعد المجتمعات بما هي المدن والنقابات والطبقات موجودة على نحو مؤسسي متماسك يعي وجوده ومصالحه وأفكاره.
إعلان حزب التيار الوطني ليس فقط إعلان وفاة الأحزاب السياسية، لكنه أيضا يقرع الجرس للمواطنين والمجتمعات والمدن والنقابات ومستهلكي الخدمات الأساسية في التعليم والصحة والاتصالات والتمويل والماء والطاقة التي صارت تملكها وتهيمن عليها شركات تجارية وتقدمها على نحو فيه من الإذعان والإذلال للمواطنين! بل إن المواطنة نفسها لم تعد مفهوما واضحا ومحددا او يشبه مفهومها لدى أمم العالم في التاريخ والجغرافيا، هي في واقع الحال أقرب إلى أن تكون ليست مواطنة.
الغد 2017-10-11