الانتحار.. ماذا بوسعنا أن نعمل؟
قبل سنوات كانت حوادث الانتحار نادرة وبالغة الاثر على اهالي المنتحرين واقربائهم، وكل من يعرف الضحية او تشابهت احوالهم وظروفهم مع مرتكبيها. كنا نسمع القليل عن هذه الحوادث ونبقى لسنوات تحت تأثير الواقعة ومندهشين واحيانا غير مصدقين امكانية حدوثها في مجتمعاتنا وبين معارفنا واصدقائنا.
اليوم هناك حالة انتحار او محاولة انتحار كل يوم بعد ان اصبحت آذاننا وعقولنا تألف الاخبار حول الشابات والشباب واحيانا الاطفال وكبار السن ممن يقبلون على قتل انفسهم تاركين لنا قصاصة من الورق كتبوا عليها انهم قرروا الانتحار، ومشيرين لبعض العوامل والظروف التي دفعت بهم الى ارتكاب فعلتهم طالبين السماح ممن أحبوا مقرونة بوصية او اكثر يتمنون على من يهمهم الامر تنفيذها.
اعداد الذين يحاولون الانتحار تفوق اعداد من ينفذونه فعلا، ويزيد عدد الذكور الذين نجحوا في تنفيذ عملية الانتحار عن الاناث. ولا تختلف الوسائل والادوات التي يستخدمها المنتحرون في ارتكاب فعلتهم عن الوسائل التقليدية المعروفة كالشنق والقفز عن المباني والمرتفعات وقص الوريد والحرق واستخدام جرعات سمية من الادوية و العقاقير.
ارقام الانتحار التي قفزت من 40 حالة سنويا تقريبا في 2010 الى ما يقارب ثلاثة اضعاف سنويا خلال الفترة الواقعة بين 2011 - 2016 شكلت مصدر قلق للمؤسسات المعنية بحماية الارواح ورعاية الانسان وصيانة النسيج الاجتماعي الذي اخذ يتهاوى تحت ضغوط الفقر والبطالة وتنامي استخدام المؤثرات العقلية وتدهور نوعية العلاقات الزوجية والاسرية وغيرها من المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا المحلية في الريف والبادية كما في المخيمات والمراكز الحضرية.
تنامي ظاهرة الانتحار في الاردن دفع بالعديد من المؤسسات الوطنية لادراج الظاهرة على قائمة اولوياتها والسعي للتعرف على طبيعة الظاهرة ونوعية الاجراءات الرسمية والاهلية المتخذة من قبل المعنيين والمهتمين، وتقييم مدى ملاءمتها في احداث فرق في حجم الظاهرة ووضع حد لاثارها واخطارها على الافراد والاسر والمجتمعات التي تعاني منها.
مديرية الامن العام والمجلس الوطني لشؤون الاسرة تعاونا على عقد ورشة بحثية للتعرف على الظاهرة وتحديد مساراتها واتجاهاتها، في محاولة لاثارة اهتمام عشرات المؤسسات التربوية والصحية والادارية والدينية اضافة الى الشرطة والاعلام والجهاز القضائي ومؤسسات البحث ودفع الجميع لوضع امكاناتهم من اجل التعاون والتنسيق لمجابهة الظاهرة وعلى مستويات البناء والوقاية والمنع وتقديم خدمات الرعاية والمساعدة الطارئة للافراد المعرضين لارتكاب افعال الانتحار واسرهم.
جهود هذه المؤسسات ليست الاولى في هذا الميدان فقد باشر المجلس الاقتصادي الاجتماعي باعداد دراسة وطنية لواقع الظاهرة بمشاركة عشرات الخبراء والممثلين لمؤسسات الدولة تمخضت عنها وثيقة سياسات جرى تقديمها لصناع القرار من اجل الدعم والتوجيه بتبنيها.
الجهود المبذولة والاخرى التي ما تزال على اجندة المعنيين والمهتمين مهمة وضرورية لانقاذ حياة من يمكن اكتشاف نواياهم وتفعيل دور الاسعاف والارشاد في ثني الاشخاص عن مقاصدهم، لكنها تبقى قاصرة اذا ما تجاهلت حقيقة ان الزيادة الملحوظة في اعداد حالات الانتحار مؤشر على فقدان شرائح كبيرة وواسعة من الشباب للامل في تحقيق احلامهم، ووصول اخرين لمستوى من اليأس والقنوط يجعل من الاستمرار في الحياة قرارا عديم المعنى والقيمة والجدوى، الامر الذي يضعف ايمانهم بجدوى المحاولة للتكيف والنجاح ويدفع بهم الى اتخاذ قرار انهاء رحلتهم بالطريقة الدرامية كحل لمشكلاتهم.
في الاردن وقعت خلال الاعوام القليلة الماضية عشرات حالات الانتحار الغريبة التي توافق من خلالها مجموعة من الشباب على ارتكاب فعل الانتحار في فضاء عام وبطريقة جماعية او اشعال البعض للنار بانفسهم في الساحات العامة بما يشبه الاعمال المسرحية.
الظاهرة التي يحلو للبعض ان يعتبرها غريبة ويكتفي بادانتها وتحريمها في فتوى يصدرها الشيوخ ظاهرة معقدة في عواملها وحجمها وابعادها وخصائص مرتكبيها وكيفية التعامل معها وتحديد اثارها ودلالاتها، ومن غير المعقول ان نعمد الى تبسيطها الى الحد الذي يولد قناعة لدينا ولدى جمهورنا باننا نعالجها وفقا لتعميمات قد لا تفيد كثيرا في توجيه اجراءاتنا.
الغد 2017-10-15