أدوات جديدة لدعم السياسة الخارجية
لا شك أن السياسة الخارجية الأردنية تملك خبرة طويلة في الثراء السياسي وفي القدرة على التكيف الإيجابي مع الأحداث والتحولات الإقليمية والدولية إذ ما نظرنا إلى حجم الأردن وموارده، ولطالما وصفت هذه السياسة بأنها تستمد قوتها وكل ما تتمتع به من احترام دولي من حضور الملك وقدرته على مخاطبة العالم والاشتباك الايجابي مع الأحداث. وفي الأشهر الأخيرة باتت وزارة الخارجية تشهد إصلاحات مهمة سواء في إعادة تقدير المواقف وفي استعادة القدرة على المبادرة وفي شكل ومضمون بلورة المصالح الأردنية والاستجابة للتحولات الاقليمية والدولية، كما هو الحال في الإصلاحات الجارية حاليا في الخدمات القنصلية التي تقدم للاردنيين وغيرهم في الخارج.
على هذا الأساس نحن بأمس الحاجة اليوم لاستعادة المبادرة الشعبية والمدنية في توسيع مجال النقاش العام حول خيارات السياسة الخارجية وحول ما يمكن ان يضاف من ادوات سياسية او شعبية او إعلامية او ثقافية تدعم هذه الخيارات وتسهم في اعادة بلورة الدور وصورة الدولة الأردنية في الاقليم والعالم. قدم الأردن صورة مختلفة في العمل السياسي الخارجي، القائم على دبلوماسية تعاونية وواقعية لا تسرف في التوقعات والآمال الكبيرة وتحافظ على وضوح سياسي مرتبط بوضوح أخلاقي جعل من هذه الدولة الصغيرة قوة سياسية مؤثرة في الأحداث وفي أزمات الإقليم علاوة على القيمة المضافة للوضوح الاخلاقي وأحد أمثلته الكبيرة هذا العمق الإنساني الذي جعل من هذا البلد الملاذ لكثير من المهجرين واللاجئين ولكل المظلومين والمطاردين رغم ظروفه الاقتصادية الصعبة، ولكن هل يدرك المواطن الأردني هذا الواقع؟ وهل لدينا فرص لنعمل اكثر من ذلك؟ ولماذا لا يجد النموذج الأردني التسويق السياسي والإعلامي والشعبي المفترض؟
هناك ثلاثة مصادر أساسية لدعم السياسة الخارجية ما يزال الأردن يعاني فقرا حقيقيا في استخدامها وتوظيفها، لا يجب إغفالها حينما نبحث عن إجابة للأسئلة السابقة؛ المصدر الأول بناء قوة ناعمة خارجية للدولة تقوم على الحضور والمبادرة سواء في الثقافة أو السياحة او الفنون والرياضة والاتصال كما هو الحال في القيم السياسية والثقافية وفي قصص النجاح وغيرها من موارد فيها مساحة واسعة للابتكار والخيال المنتج. المصدر الثاني؛ الدبلوماسية العامة او الشعبية التي يجب ان تعمل بخط مواز مع السياسة الرسمية ولا يشترط ان تتوافق معها بل احيانا تتطلب المصلحة ان تقوم بما لا تقوم به السياسة الرسمية، والدبلوماسية الشعبية اكثر مجال منها ما هو رسمي موجه لمجتمعات خارجية ولكن على المستوى الشعبي بمعنى الحاجة الى بناء قدرات الدبلوماسيين في مخاطبات المجتمعات الاخرى وفي التأثير في اتجاهاتها، واخرى يمارسها المجتمع المدني المحلي والقوى الاجتماعية والعشائر والمؤسسات الاهلية في الخارج دعما للمصالح الوطنية. والمصدر الثالث الأدوات الإعلامية والاتصالية التي قد تقوم بدور مهم في التسويق السياسي للأدوار ولصورة الدولة.
قد يقال إن كل ما ذكر سابقا يحتاج إلى موارد وإلى إنفاق لا طائل للأردن على تحمله، وهذا الاستنتاج غير دقيق؛ الحضور الدولي لدول صغيرة ومحدودة الموارد كحالة الأردن لا ينتظر أن يحققه الانفاق الاستهلاكي في الإعلام والحفلات الباذخة، بل يحتاج إنجاز هذا الحضور الى منافذ أخرى تقود مبادرات وأنشطة على المستوى الإقليمي والدولي تصب جميعها في أنماط دبلوماسية المصالح، وتعزز حضور الدولة ومكانتها، وتسهم فيها مؤسسات حكومية ومؤسسات الدولة الأخرى والمؤسسات المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني وأشكال الدبلوماسية الشعبية والتطبيقات المعاصرة للعلاقات العامة الدولية. لماذا لا نجد مبادرة لمجلس اهلي للسياسة الخارجية ولماذا لا نجد عملا رسميا أو شبه رسمي لمبادرات تستثمر وتستفيد من بعض القيم المضافة في الحالة الأردنية مثل الاستقرار أو الوسطية أو التنوع والتعددية أو الإنجاز في التعليم والصحة وغيرها. ففي إقليم ينفق على التدخين أكثر من التعليم والصحة وينتشر فيه دخان الحروب اكثر من الأكسجين، يمكن أن نفعل الكثير من خلال مبادرات مبتكرة ومن خلال المواقف الشعبية بما فيها مواقف المؤسسات التمثيلية من برلمانات وبلديات ومؤسسات مجتمع مدني، هذه كلها موارد سياسية على درجة كبيرة من الاهمية، وهي رأسمال سياسي نستطيع أن نناور بها ونبادل المصالح.