لبنان يستَعيد أجواء «الحرب الأهلية».. جعجع والشرتوني؟!
لم يهدأ التراشق الإعلامي بين القوى السياسية والحزبية اللبنانية التي تقف في المتاريس المتقابِلة، بعد قرار المجلس العدلي اللبناني (اعلى هيئة قضائية لبنانية) الحكم بالإعدام على كل من حبيب الشرتوني ونبيل العَلَمَ المُتهمَيْن باغتيال الرئيس اللبناني «المُنتخَب» وزعيم ميليشيات حزب الكتائب الإنعزالي بشير الجميل في الرابع عشر من ايلول 1982. (الحزب الذي تسبّب باندلاع الحرب الاهلية اللبنانية، التي امتدت لعقدين تقريبا، قبل ان يضع اتفاق الطائف 1989...حداً لها).
قرار المجلس العدلي اللبناني مُبرَم وغير قابل للطعن، ما يعني لدى انصار اليمين الانعزالي في لبنان انتصارا لـ»قضيتهم» ولما اسموه تطبيق العدالة ولو متأخراً، على نحو اظهروا فيه ابتهاجهم المبالَغ فيه والإستفزازي واقاموا احتفالات صاخبة، ارادوا من خلالها استنهاض العصبية الطائفية والمذهبية والظهور بمظهر الذي لم يُضِع «حقاً»، طالما وقفوا خلفه مطالبين بتحقيقه. وها هو المجلس العدلي ينتصر لزعيم الحرب الاهلية بلا منازِع،, والذي سِجلّه الشخصي والسياسي والحزبي وخصوصاً الميليشياوي اسود ودموي بامتياز، وبخاصة علاقته المُعلَنة والموثّقة مع دولة العدو الصهيوني، ومشاركته ارئيل شارون في خططه لغزو لبنان واحتلال بيروت، وقيام جيش الاحتلال بتأمين الأغلبية البرلمانية الكفيلة بانتخابه، بحراسة الدبابات الصهيونية.
يصعب تجاوز تاريخ بشير الجميل وبالتالي الاسباب التي دفعت حبيب الشرتوني للانخراط المباشر في عملية اغتياله في مقر حزبِه وسط بيروت، على قاعدة ان الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي ينتمي اليه الشرتوني (ورفيقه نبيل العَلَمَ الذي رحل في البرازيل ايار العام 2014 وهو المُخطِّط الرئيسي للعملية، كونه مسؤول «أمن الحزب القومي» خلال الحرب الاهلية، وكان يُوصف بـ الثعلب» و»الرجل الخطير» لحنكَته وطبيعته المخابراتية)، كذلك فإن الجدل والسجالات التي ما تزال تفرض نفسها على المشهد اللبناني الاخير، فضلا عن ملابسات اقرار موازنة الدولة لاول مرة منذ العام 2005 وموضوع الانتخابات البرلمانية المقّررة ايار المقبِل، وسط شائعات عن احتمالات تأجيلها لأسباب لوجستية ما سيؤدي الى تمديد ولاية مجلس النواب المُمدِّد لنفسه (دورة كاملة عمرها أربع سنوات)، كل ذلك اعاد لبنان وشعبه الى اجواء الحرب الاهلية، التي ظنّ كثيرون ان بلاد الأرز قد غادرتها، وأن شعار «تنذكر وما تنعاد» قد غدا درساً للجميع. لكن الطبقة السياسية المُكوّنة اصلا من لوردات الحرب وزعماء الطوائف والمحاور والإرتهانات الخارجية، تأبى ان تترك «مناسبة» كهذه وبخاصة حكم بإعدام أحد عناصر حزب فاعل ومحسوب على فريق 8 آذار، كي تُصفّي حساباتِها وتنكأ جراح الحرب، وتأخذ «شعبها» الذي بدأ يُبدي تبرماً تجاهها، مُستخدِمة كل وابشع عمليات التعبئة والشحن الطائفي والمذهبي، على نحو لا يتورّعون عن اعتبار بشير الجميل «شهيداً» ووطنيا، وهو الذي لم يترك وسيلة او درباً للتحالف مع اسرائيل ضد مصالح غالبية الشعب اللبناني بمسيحييه ومسلميه على حد سواء.
ابرز هؤلاء الذين وجدوا في صدور الحكم على حبيب الشرتوني بالاعدام فرصة للمزايدة وتبييض تاريخه الأسود هو القاتل الاكبر سمير جعجع، الذي ادانه المجلس العدلي نفسه واصدر حكماً بالمؤبد عليه، جراء الجرائم الموصوفة التي قارفها والاغتيالات الجماعية التي لم يرف له جفن عندما شارك في تصفية خصومه في المعسكر الحليف (المسيحي) سواء داني كميل شمعون وعائلته، وخصوصاً نجل رئيس الجمهورية الاسبق سليمان فرنجية، طوني وعائلته، كذلك في تفخيخ مروحية رئيس الوزراء اللبناني «السُنيّ» رشيد كرامي.. ولم يخرج سمير جعجع من السجن إلاّ من خلال صفقة مشبوهة رتّبها حلفاؤه في مجلس النواب مُستغِلين تداعيات اغتيال رفيق الحريري في العام 2005.
إذا كان الشرتوني «مُجرِماً» يستحق الاعدام على اغتيال بشير الجميل الذي عُرِفَ قبْل ان «يُرفَّع» إلى رتبة رئيس جمهورية، كزعيم ميليشياوي ولَغَ في دم اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين كثيراً وطويلاً، فإن سمير جعجع على وجه الخصوص الذي اعترف قبل يومين باغتيال طوني فرنجية وعائلته مُعتبِراً الجريمة النكراء بانها «لحظة تخلٍ»، يستحق هو الآخر الإعدام او أقلّه ان يُعامَل الشرتوني كما تمّ التعامل مع جعجع. وهنا تقع المسؤولية على مجلس النواب الذي اصدر عفواً خاصاً عن جعجع.. لا يستحقه، او يقوم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بإصدار عفو خاص عن الشرتوني، هو من صلاحياته يُحرَّر فيه مُقاوِم لبناني، نهض بدوره الوطني في (مرحلة يجب ان «تُحاكَم» بكاملها وبجميع ملفاتها، او لا تكون هناك محاكَمة اصلا، لإنه من غير المقبول التمييز في هذا الخصوص)، كما دعا الى ذلك مؤخراً امين عام الحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب.
الضجة التي افتعلها حزب الكتائب اللبناني، الذي يُعاني «تصحّراً» سياسياً وحزبياً ويكاد يتلاشى دوره في الحياة السياسية اللبنانية، كذلك مسارَعة سمير جعجع الى «الاحتفال» بهذا الحُكم، لاستنهاض محازبيه والظهور بمظهر المدافع عن حقوق المسيحيين، وخصوصاً في انه يُكِن «ودّاً» لبشير الجميل، وهو كان خصمه ومنافِسه كونه من بيت اقطاعي ووارث للزعامة، فيما هو «جعجع» من اصول اجتماعية متواضعة، لن تنجح في اخفاء او الطمس على حقيقة ان بشير وسمير قاتلان مُحترفان يستحقان العقوبة التي حلّت بهما. واذا كانت المسألة طائفية ومذهبية فالشرتوني اغتال «مسيحياً» مُنتخَباً لمنصِب رفيع (الرئاسة الاولى)، فيما جعجع أجهز على اعلى مسؤول «سُنيّ» كان يشغَل ارفع منصب (الرئاسة الثالثة)..
فكيف ينجو قاتل محترف كجعجع، عبر عفو خاص صدر في ظروف مشبوهة، فيما لا «نقض» لِحُكم على مناضل وطني.. كحبيب الشرتوني؟.
الراي 2017-10-25
