الخبز... والبقية تأتي
بات واضحا أن الحكومة تفكّر مليّا بإعادة النظر بطريقة دعم الخبز، ورفع سعره وتعويض الأردنيين الفرق بين السعر الحالي والسعر الذي سيستقر عليه رأيها فيما بعد، التسريبات التي تتحدث عن أسعار متوقعة لكيلو الخبز ما تزال متناقضة وينقصها التوضيح العلمي، فيما الأمر الواضح في كل ذلك أن الحكومة عازمة على تمرير فكرتها القائلة بتوجيه الدعم لمستحقيه.
وبالأثر وبعد أن تكون فكرة توجيه الدعم لمستحقيه التي تتعمّد الحكومة إطلاقها دوما سيخرج علينا وزراء المالية والتجارة خلال أيام بتوضيح طريقة الدعم المرتقبة والتي ستكون إلى حد كبير قريبة من طريقة دعم المحروقات، وستؤكد لنا حكومتنا نحن معشر الأردنيين أننا لن نشعر بفرق السعر الجديد نتيجة التعويض الذي سيتم اقراره، وهي استبقت السؤال عن طريقة الدعم والفئات التي تستحقه بالقول إن الدعم سيكون لجميع الأردنيين مهما اختلفت طبقات معيشتهم، كما استبقت أي تلميح حول إمكانية وقف الدعم لاحقا على غرار ما حصل مع دعم المحروقات، بالتصريح بلسان مصدر مطلع (كثرت في الفترة الأخيرة مصادر الحكومة التي لا تفصح عن اسمها) بأن الحكومة ملتزمة بإعادة الدعم للمحروقات في حال وصل سعر برميل النفط الى فوق المائة دولار للبرميل، باعتبار ان التزام الحكومة بالدعم كان عندما قفزت اسعار النفط لفوق المائة.
طبعا الاستدراك والتوضيح جاءا لتطمين الناس بطريقة غير مباشرة بأن الالتزام بتعويض الاردنيين عن فرق اسعار الخبز التزام متواصل وجدي، وليس لمرة واحدة، وأن التزامها السابق فيما يتعلق بالمحروقات كان يتعلق بسعر معين للبرميل.
طبعا في الاثناء ستخرج علينا الحكومة بارقام كثيرة حول اعداد غير الأردنيين الذين يستفيدون من دعم الحكومة للخبز، وأن تلك الاستفادة ليست حقا لهم، وستخرج علينا بارقام حول نسبة الهدر والفاقد، وان طريقة التعويض ستكون مريحة وسلسة وسيتم احتساب معدل مصروف الاسرة من الخبز والتعويض بعدالة.
وسيخرج علينا ايضا من ينظّر للحكومة ويتوافق معها حول ارقامها، وأن ما ستقوم به لن يمس الأردنيين، وبالتالي فانه لا يجوز الاعتراض على حالة هدفها تصويب الخلل في الموازنة العامة، برأيهم، وسيقول أولئك إن الموازنة تعاني من خلل بنيوي بسبب توجيه الدعم لغير مستحقيه، والحكومة نجحت في وقف العجز وفي طريقها لاكثر من ذلك، وان الوضع الاقتصادي لدينا صعب ويتوجب ان نتحمل الظروف القاسية التي فرضت علينا، بيد أن اولئك لن يدلّونا على حلول اقتصادية خارج وصفات (النقد الدولي) تساهم في التخفيف عن المواطن.
إنّ السؤال الذي يحتاج لجواب هو؛ لو افترضنا أن الحكومة استطاعت من خلال تنفيذها توصيات صندوق النقد الدولي برفع الدعم عن الخبز، وتصحيح التشوهات الضريبية، وتمكنت من جمع هذا العام الـ 500 مليون دينار وهو الرقم الذي تم التوافق عليه في باب التصحيح الاقتصادي لمدة 3 اعوام، فماذا ستفعل في العام المقبل وأي سلعة سيكون عين الحكومة عليها للرفع؟!
عمليا تفكير الحكومات سيبقى محصورا برفع الدعم وزيادة الأسعار ولن نرى حكومات تفكر بخطط إنتاجية واستثمارية وتنموية تساهم في رفد الموازنة وتخفيف الضائقة المالية وتقليص نسبة البطالة والقضاء على جيوب الفقر، وطالما بقي تفكير الحكومات في المربع الذي يرسمه لنا صندوق النقد الدولي فإنها لن تخرج بحلول مبتكرة وستكون عيونها دوما مفتوحة على جيب المواطن، أما لو فكرت في الخروج من هذا الاطار فاننا بالتأكيد سنرى حلولا إبداعية واقتصادية وتنموية تساهم في رفد الخزينة، وإقامة مشاريع إنتاجية تؤمّن تشغيل عاطلين من العمل.
الغد 2017-10-25