بارزاني الكتالوني.. و«الحاج فرانكو»!
اتابع مباريات فريق برشلونة باهتمام وانحياز، ولكن ما يحدث الان في اسبانيا تجاوز لعبة كرة القدم ، ولم يعد مجرد مباراة بين «البرشا « وريال مدريد ، انها لعبة الأنفصال بكل ما تمثله وتحمله من نتائج خطيرة تذكرنا بكوارث الحرب الأهلية الأسبانية.
عندما استمعت الى سلسلة التصريحات والخطابات التي اطلقها رئيس اقليم كتالونيا المقال كالوس بوغديمون تذكرت تصريحات مسعود البرزاني الحماسية المندفعة نحو الأنفصال واقامة الدولة الكردية وهي خطوة جاءت عكس حركة التاريخ فباءت بالفشل بعد ارتطامها بالحائط ، ربما بسبب التوقيت السيء وعدم اختيار اللحظة التاريخية الصحيحة ، اضافة الى ضغط الجغرافيا السياسية التي احاطت بكردستان.
وامام المشهد الجديد في برشلونة اتساءل: الى اين سيقود «بارزاني الكتالوني « بلاده التي تواجه حكم الجغرافيا وارث التاريخ ؟
مشكلة كتالونيا انها لن تحظى باعتراف دولي ، ولن تستطيع التعامل التجاري مع السوق الأوروبية ، لذلك الكثير من الشركات والصناعات انتقلت أو تفكّر بالأنتقال من الأقليم كي لا تخسر حصتها وزبائنها في السوق الأوروبية ، علما بأن برشلونة ،عاصمة الأقليم ، هي المركز الأقتصادي الأهم في اسبانيا ، وتسهم بحوالي 20 بالمئة من الناتج المحلي الأسباني ، كما انها جاذبة للاستثمار والسياحة ، وتبلغ صادراتها الصناعية والزراعية حوالي25 بالمئة من مجمل الصادرات الأسبانية.
وتجدر الأشارة الى أن اقتصاديات اقليم كتالونيا تأثرت كثيرا منذ الأستفتاء حول الأنفصال خصوصا بعد تراجع الحركة السياحية ، والتي تشير الأحصاءات أنها تجاوزت 18مليون سائح في العام الماضي. ويبدو ان الأمور لن تتوقف عند هذا الحد ، خصوصا ان حكومة مدريد قررت تفعيل المادة 155 وتجميد الحكم الذاتي في اقليم كتالونيا ، وهذا يعني فتح الأبواب امام كل الأحنمالات وفي مقدمتها الخيار الأمني.
واذا كانت الجغرافيا ضد حركة الأنفصال في عالم التحالفات الكبيرة ، وفي وقت تحول العالم فيه الى قرية في ظل العولمة ، فالتاريخ قد يكون الحافزالذي أنعش احلام الأنفصاليين ودفعهم الى اتخاذ هذه الخطوة.
ومن يقرأ تاريخ اسبانيا منذ قيام الجمهورية الأسبانية الأولى في القرن التاسع عشر ولفترة قصيرة ( 1873 – 1974 ) وقيام الجمهورية الثانية في العام 1931حتى عام 1939، يلاحظ دور كتالونيا المهم في قيام الجمهوريتين ، ويعرف حجم الدور الفاعل الذي لعبته يرشلونة في المرحلتين.
والتاريخ يقول أن الجمهوريين فشلوا في المرحلتين بسبب طموح الجنرالات ، ودفع الكتالونيون ثمنا كبيرا مقابل تضحياتهم ودفاعهم عن الجمهورية خصوصا في الحرب الأهلية الاخيرة التي قسمت البلاد بين الجمهوريين وبين الكتائب الفاشية بقيادة الجنرال فرانكو ، حين نشبت أبشع اشكال الحروب الأهلية في التاريخ ، والتي تحولت الى حرب كونية بعد تدخل المانيا النازية وايطاليا الفاشية والبرتغال الديكتاتورية لنصرة الجنرال فرانكو. وبالمقابل تدخل الأتحاد السوفياتي والمكسيك الأشتراكية اضافة الى مجموعات من المتطوعين لدعم الجمهوريين ، وبينهم أشهر واكبرالكتاب والشعراء الذين دعموا ، او قاتلوا ، الى جانب الجمهوريين وفي مقدمتهم ايرنست همنغواي وجورج اورويل وبابلو نيرودا والشاعر لوركا وغيرهم.
في النهاية خسر الجمهوريون دمهم وسلطتهم وحربهم التي انتهت لصالح الفاشية ، بسبب التدخل غير المحدود من المانيا النازية التي أقامت جسرا جويا ينقل المتطوعين من شمال افريقيا الى ارض المعركة ، حتى أنني قرأت عن استخدام الدين الاسلامي في الحرب ضد الجمهوريين عبر نشر اشاعات في بلاد المغرب العربي ان القتال يدور ضد الشيوعيين الكفار أعداء الله والأسلام ، كما انتشرت مزاعم تفيد ان الجنرال فرانكو أعتنق الأسلام وقام باداء فريضة الحج « الحاج فرانكو « !!
هذا الارث التاريخي المشبع بالتضحيات الكبرى ، قد يكون أحد العناصر المحركة التي دفعت الأنفصاليين في كتالونيا الى اجراء الاستفتاء من اجل اقامة دولتهم ، ولكن الثابت حتى الآن أن الحكومة المركزية في مدريد عازمة على افشال هذا المشروع باستخدام كل الخيارات ، حتى لو نشبت الحرب الأهلية الجديدة ، خصوصا ان الحركة الأنفصالية لن تجد اي دعم خارجي ، وهذا يعني انها ضد حركة التاريخ في الوقت الراهن على الأقل.
الراي 2017-10-30