هل أَدْخَلَتْ إسرائيل «المُصالَحة الفلسطينية».. في «نفق»؟
لم يكن تفجير نفق خانيونس قَدَراً إسرائيلياً محتوماً، ولم يكن مجرد عمل عسكري, ناتج عن قدرات استخبارية وتكنولوجية إستثنائية’ طالما تبجّحت بها اسرائيل, لإظهار تفوّقِها وعلُوّ كعبها, والإصرار على ان «الأمر لها» في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني بل والعربي والشرق اوسطي، على «القاعدة» الإجرامية التي ارساها التحالف الصهيواميركي منذ ازيد من نصف قرن, والقائلة بضمان واشنطن تفوّق اسرائيل عسكريا على «كل» العرب, ويبدو ان «تسليماً عربياً» بهذه القاعدة قد تمّ، بدليل هذه السيولة غير المسبوقة في تقديم كل انواع «المبادرات» ومقترحات السلام (العربية..كما يجب التذكير) التي لا تُلبّي الحد الادنى من الحقوق و»الكرامات» الفلسطينية والعربية, ومع ذلك فان قادة اسرائيل يرفضونها بصلف واستعلاء تحت طائلة «فضح» الإتصالات واللقاءات السريّة, التي تكثفت مع تل ابيب مؤخراً, ولم يعد احد او مسؤول في بلاد العرب يجد حرجاً في الصمت أو المسارعة الى نفي او تفنيد كل ما تطفح به وسائل الاعلام الاسرائيلية والغربية, من اخبار وتسريبات مدعومة بتحليلات واشارات «صاخبة» عن علاقات سرية ستأخذ طريقها الى العلن قريباً، لكن من يعنيهم الامر في بلاد العرب يسدّون آذانَهم ويُغمِضون عيونهم ويديرون ظهورهم لها, دون ادنى احترام أو اهتمام بما يُوصَف «مجازاً» بالرأي العام.. سواء كان محلياً ام عربياً.
ما علينا..
اليوم الاربعاء...إذا لم تحدث مفاجأة في اللحظة الأخيرة,فإن من المُقرّر، وفِق الأجندة الزمنية لاتفاق القاهرة الذي تم توقيعه بين حركتي فتح وحماس، ان تتسلم السلطة الفلسطينية المسؤولية عن المعابر بين اسرائيل وقطاع غزة, وبالتالي سيعمَل «رجال السلطة» في معبرَي كرم ابو سالم (مخصص للبضائع) وإيرِز (مخصص للاشخاص) اي ان السلطة ستجد لها موطئ قدم على الارض في قطاع غزة, لأول مرة بعد عشر سنوات من الغياب, إثر ما وصفَتْه بـ»الانقلاب» الذي دبّرته «ضدها» حماس في حزيران العام 2007.
«احتفال» التسليم والتسلّم سيحضره وفد مصري رفيع المستوى للاشراف على العملية, كونه جهاز المخابرات المصري هو الذي اسهم بإنضاج اتفاق المصالحة, الذي اخذ طريقه الى التنفيذ «جزئياً» بتسلُّم حكومة الوفاق الوطني مهامها في القطاع مؤخراً، على نحو لم يشهد اي محاولات عرقلة او تصريحات متناقضة (حتى الان) ما أشّرَ الى احتمال نجاح هذا الماراثون, الذي يبدو ان تفجير جيش الإحتلال لنفق خانيونس استهدفَه, رغم ان «الفصيل» المستهدَف لم تكن حركة حماس بل حركة الجهاد الاسلامي، غير المنخرِطة او المشارِكة في اتفاق المصالحة, الذي اقتصر على «الثنائي» المحتكِر للقضية الفلسطينية والمرتهِن اياها لخطابه ونزواته وتحالفاته.
اسرائيل تقول: ان المصالحة هي «رحلة الى اللامكان» وانها مجرد ترّهات, ولن تجد طريقها الى التنفيذ.. فعلى ماذا تراهن حكومة نتنياهو واجهزتها الاستخبارية والعسكرية؟
صحيح ان تل ابيب سارَعت غداة التوقيع على الإتفاق الى الاعلان انها لن «تُعرقِل المصالحة» لكنها اعادت في الوقت نفسه طرح شروطها المعروفة التي تبنتّها الرباعية الدولية منذ العام 2006 عندما فازت حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي, الامر الذي ادّى الى حدوث الانقسام بعد ان انحازت السلطة الفلسطينية الى رأي «الرباعية» وتبنّت مطالبها, ما دفع معسكر المتشددين في حماس الى حسم الخلاف ميدانيا, ما اسهم في إطالة الانقسام حتى بلغ عقدا من الزمن, وها هي اسطوانة المطالِب نفسها تطفو على السطح ثانية وتأخذ طريقها الى العلن, عندما كشفت صحيفة هآرتس الاسرائيلية وعلى لسان رئيس حزب العمل الاسبق الجنرال عميرام مستناع, بان رئيس السلطة محمود عباس كشف امامهم انه لن «يُوزّر» اي شخصية من حماس لا يعترف باسرائيل.
ليس جديدا ما نقِل على لسان الرئيس الفلسطيني, رغم النفي الذي صدر عن اركان السلطة من ان ما قالته هآرتس لم يكن بهذا الوصف او الاشتراط، الا ان المثير فيه هو صدوره في هذه التوقيت الذي لم تتبلور فيه المصالَحة او تتجذّر ميدانيا, ما يفتح او يقطع الطريق الى امكانية الاستمرار فيها, وبخاصة اذا وصل ماراثون المصالحة الى «العقدة» الاخطر والتي يُراهن عليها الرافضون المتحفِظون او المتربصون بالمصالحة نفسها وبالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص, وهي «محطة» سلاح حماس الذي سيكون اختبارا مركزيا وحاسما لإتفاق المصالحة, في ظل التباين غير القابل للتجسير بين موقِفَي فتح وحماس, عندما يقول الرئيس الفلسطيني:انه لن يُكَرر تجربة «حزب الله»في لبنان ولن يكون في غزة..كما الضفة, قرار واحد وسلاح واحد (...), فيما يؤكِد قادة حماس ان لا نِية لدى الحركة للمَس بأي شكل من الاشكال.. بذراعها العسكري.
إعلان جيش الاحتلال دخوله في حال التأهب القصوى بعد جريمة تفجير نفق خانيونس, وتأكيد حركة الجهاد الاسلامي انها ستثأر لشهدائها وإدانة «تحالف قوى المقاومة الفسطينية» جريمة الاحتلال, ثم بروز دعوات من تيار دحلان «الى وقف التنسيق الامني ووحدة الموقف في المواجهة, وتحمّل السلطة مسؤولياتها» على ما قال سمير المشهراوي، المقرب جدا من دحلان، تشي كلها بان الامور سائرة نحو التصعيد والانخراط في سوق المزايدة, ومحاولة إطاحة اتفاق المصالحة الهش الذي لم يأخذ طريقه الى التنفيذ بعد.أمّا احتمالات فشله فتبقى واردة.... رغم كل ما يُقال.
الراي 2017-11-01