عن هذا القهـر الذي يحاصـرنا
منذ عقود طويلة لم تعرف الأمة هذا الكمّ من القهر الذي يحاصرنا هذه الأيام، لكأن بركانا فظيعا قد انفجر في وجهنا، وتوزعت نيرانه في كل مكان، فيما موجاته تتلاحق من دون توقف.
أنى توجهت، تطاردك أسئلة الناس الحائرة؛ ليس في تحديد الحق والباطل، لأن الغالبية تعرفه تمام المعرفة، وإن حاول البعض توصيف الأمر على أن هناك انقساما، وبالطبع لبث الوهم بأن الطرفين متساويان، بل تطاردك أسئلة الناس حول موعد انقشاع هذه الموجة العاتية من الظلام الذي طال، وحصد معه ملايين من الأبرياء، بين مهجّرين وجرحى وشهداء؛ نساء ورجال وأطفالا، ومن ورائهم مئات الآلاف ممن يرزحون في السجون والمعتقلات، وبعضهم يذوق مرارة الموت مرارا كل يوم، كما هو الحال في سجون الطغمة الحاكمة في سوريا.
لعل أسوأ ما يمكن أن يسمعه المرء في هذا السياق، ويثير القهر أيضا، هو ذهاب البعض نحو إدانة الشعوب التي ثارت ضد الظلم، أو ترديد تلك المعزوفة الساقطة عن “الفوضى الخلاقة”، وهي عبارة قالتها كوندوليزا رايس قبل سنوات طويلة، ولا صلة لها بما جرى في ربيع العرب، وفاجأ الجميع، بما في ذلك أمريكا نفسها.
هذا الكلام السخيف، لا يجرّم الشعوب التي انتفضت طلبا للحرية والعدالة، بل يتعامل مع أمريكا كأنها رب الكون الذي يقول لشيء كن فيكون، مع أنها اليوم في أضعف حالاتها منذ عقود، ويتمرد عليها كثيرون في هذا العالم، ربما باستثناء قلة في هذه المنطقة لا زالوا يعتقدون أن جزءا كبيرا من أوراق اللعبة بيدها، هي التي تنقاد في سياساتها الخاصة بهذه المنطقة للكيان الصهيوني كما لم يحدث من قبل.
يتجاهل هذا المنطق أن ما أحال أحلام الشعوب وتضحياتها إلى كوابيس مدمّرة، لم يكن يتعلق بفكرة التمرد التي جرّبهتا شعوب كثيرة، وفازت بالحرية؛ على تفاوت بين تجربة وأخرى، بل بقسوة الثورة المضادة، وتجاهلها لكل القيم الإنسانية، وبانحياز الغرب والشرق إلى جانبها، ففي الموقف من ربيع العرب، لم يكن ثمة فرق بين أمريكا والغرب وروسيا والصين؛ على ما بينها من تناقضات.
والثورة المضادة هنا، ليست عربية وحسب، بل كان الجنون الإيراني جزءا منها، بل لعله الجزء الأهم، فلولا تحويل سوريا إلى ساحة للدماء بتوقيع خامنئي، لتغير السيناريو في المنطقة برمته، وكان أن أضاف إلى ذلك تفجير الوضع الطائفي في العراق، ثم السطو على ثورة الشعب اليمني بعد ذلك.
بعد ذلك كله، وفي ظل هذا الحريق، ها هم الصهاينة يعملون جاهدين، على أن يستثمروا ذلك في فلسطين، عبر حلول مشّوّهة تصفي القضية، وتحقق لهم ما عجزوا عن تحقيقة بعد مخطط أوسلو وما بعده، ومن خلال غزو العراق، وفكرة إعادة تشكيل المنطقة.
ما يمكن أن نقوله للناس ردا على سؤالهم الذي بدأنا به، هو أن الأيام دول، وهذه الموجة من الظلام ستنجلي دون شك، فقد مرّت على هذه الأمة محطات ومحطات، لكنها بقيت عصية على الإلغاء، وهذه الموجة لن تكون استثناءً بحال.
الدستور 2017-11-01