تقارير عن الأنيميا العربية !!
حبذا لو تصنّف التقارير التي تقدم عن احوال العرب اليوم الى نوعين، تقارير عن التنمية واخرى عن الانيميا بمختلف اشكالها، لأن المسكوت عنه في التشخيصات القومية والاممية ايضا هو النخاع والكلام كله عن اللحم والعظم فقط، فالخلل ليس في انماط التفكير السائدة وما يصاحبها من انماط السلوك، لأن هذا كله اشبه ببثور متقيحة على الجلد، والجرثومة في الداخل.
ولا ادري من اين تعلمنا فلسفة تجنب ما يثير الصداع، وآثرنا السلامة، فالجميع يسيرون في الطرق المعبدة والمطروقة منذ قرون، ونادرا ما يجازف احد باجتراح طريق غير معبد، او افق غير مسدود !
الارجح اننا اهتدينا الى وصفة نموذجية من محاصيل الشيزوفرينيا وادبياتها، وهي ان نقول في ثرثرتنا اليومية الحقائق كما هي ثم نستبدلها تماما عندما نكتب او نتحدث في مناسبات، لهذا اقترح على الباحثين ان يكملوا ما بدأه الراحل هشام شرابي في كتابه عن التاريخ الشفوي، عندما دوّن ما كان يقوله صالح برانسي حارس الفولكلور الفلسطيني، ولو فعل الباحثون ذلك وسجلوا للناس ما كانوا يقولونه بعلم منهم وليس عن طريق التلصص والنتصّت لحصلوا على حقائق تحجبها الكتابة، وكأن اللغة العربية الفصحى تحولت بفضل الازدواجية السياسية والاجتماعية الى وسيلة لتعميق سوء التفاهم . وقد تسللت عدوى الشيزوفرينيا الى النّخب، فاصبحت تتحدث بلغتين او خطابين واحيانا بثلاث او اربع لغات، على طريقة لكل مقام مقال!
وقد يكون من الانفع والاجدى للناس ان يسمعوا ما يقوله المثقفون والنخبة السياسية في البيوت والمقاهي، لأنه الحقيقة، اما عندما يكتبون او يخطبون فإنهم يمارسون ادوارا في حفلة تنكرية تتوارى فيها الوجوه خلف الاقنعة.
اخيرا قرأنا تقارير التنمية باكثر من لغة ومن اكثر من مصدر قومي واممي، لكننا بانتظار تقارير اخرى اكثر جدية عن الانيميا وفيروسات تدمير المناعة والكذب المغطى باغلى وابلغ مساحيق التجميل!!.
الدستور 2017-11-01