منذ غياب فيصل الحسيني: القدس بحاجة لقائد سياسي/ ميداني
منذ سنوات والقدس يتيمة، مطعونة في الخاصرة، تلهث بحثا عن قائد مقدسي يكفكف دمعها. ومنذ سنوات والقدس تنتظر ذاك القائد الذي تكون المدينة شديدة المركزية في وعيه، حاضرة في كل تحركاته وسياساته.
نعم، هناك قادة ومسؤولون اليوم يحملون القدس في قلوبهم ويرفعون اسمها في شعاراتهم وتحركاتهم. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نحن لا نغمط فضل وعطاء ونضال الشيخ رائد صلاح، ولا محمد بركة، ولا أيمن عودة، ولا أحمد الطيبي أو أي من أعضاء الكنيست العرب، ولا مصطفى البرغوثي وغيرهم كثيرون، لكن ما يحفزني للكتابة من جديد بحثا عن قائد يخلف أمير القدس (فيصل الحسيني) كون المدينة المقدسة خالية اليوم من فارسها السياسي المقيم فيها. فالقدس بحاجة إلى قائد سياسي يجمع عليه المقدسيون، القدس بحاجة إلى فارس ميداني يشمل عطاؤه لعب أدوار ميدانية يوميا.
لقد مرت الذكرى السادسة عشرة على رحيل أمير القدس فيصل الحسيني، والألم على ما يجري في القدس لم يتوقف لثانية واحدة. فالمقدسيون يواجهون حملة شرسة من الطرد والإبعاد والتهجير القسري والاستيلاء عنوة على ممتلكاتهم وبيوتهم وأراضيهم من قبل سلطات الاحتلال، كما يواجهون صعوبات في استصدار تراخيص البناء من لجان التنظيم لبلدية الاحتلال التي تضع أمامهم شروطًا تعجيزية، إلى جانب مطالبتهم بدفع ضرائب باهظة والتي تُعرف باسم (أرنونا) وتقدر بآلاف الدولارات لاستصدار رخصة للبناء، ومن لا يستطع الدفع يصادر منزله، ونحو 80% من المقدسيين مدينون لها.
القدس اليوم بحاجة إلى شخص قادر على إبراز مركزية القدس ومدى هيمنة مصيرها على العقل الجمعي للفلسطينيين، يسير على فلسفة وأفكار ونهج الحسيني في الدفاع عن عروبة القدس وحقوقنا الوطنية. فلقد كان الحسيني حريصا على إقامة مؤسسات فلسطينية بالمدينة لدعم أهلها، والحفاظ على هويتها العربية، فأنشأ «جمعية الدراسات العربية» ومقرها القدس، لإعداد الأبحاث التربوية والاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والسياسية والثقافية من خلال مراكز متخصصة، حتى أقلق نشاط الحسيني سلطات الاحتلال الإسرائيلي، فأغلقت مقر «الجمعية» والمؤسسات التابعة له متعللة بذرائع أمنية، وتكررت أوامر الإغلاق أكثر من مرة على مدى سنوات الانتفاضة الأولى التي كان الحسيني أحد قادتها، واعتقل عامين لهذا السبب. والأهم، أن الحسيني لطالما نزل إلى الشارع وتصدى لسياسات الاحتلال في القدس، ودافع عن عروبتها في منابر العالم، وقاد المظاهرات بنفسه، ودافع عن الحرم القدسي الشريف، وقاوم الاستعمار/ «الاستيطان» في مختلف المواقع، وبخاصة جبل «أبو غنيم». كما تصدى بجسده لقوات الاحتلال خلال انتفاضة النفق 1996، وكرس بنشاطه القدس عاصمة فعلية لفلسطين، وجعل من «بيت الشرق» المقر الرسمي للقاءات مع الشخصيات الرسمية والرفيعة الزائرة للقدس.
حديثي مجددا عن فيصل الحسيني المقصود منه هو النموذج الذي نبغي جميعا، النموذج الذي يعلم أن معركة القدس مريرة وطويلة لكن لا يأس فيها، يتألم ويحزن ربما لكن لا يتراجع ولا يخاف، مؤمنا صادقا بأن معركة القدس لن تكون خاسرة، تماما كما قال الحسيني نفسه: «من غزة ستخرج اسرائيل بمفاوضات وبدون مفاوضات، من الضفة ستخرج اسرائيل بالمفاوضات، أما القدس فهي تحتاج الى اكثر من ذلك بكثير».
القدس اليوم تفتقد العنوان والمرجعية المركزية الواحدة، هي بحاجة لعنوان سياسي ليس لكل مكونات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني فقط، بل عنوان لكل أبناء المدينة لطرح قضاياهم وهمومهم. القدس بحاجة إلى قائد وطني بامتياز، يكون محط ثقة وإجماع واحترام المقدسيين، يمتلك «الكاريزما» القيادية ويبتعد عن الفئوية، لم يتلوث بالفساد الذي يطبع الكثير من العاملين في الحقل العام، يكون قريبا من الناس وهمومهم وتطلعاتهم، ويشاركهم أتراحهم وأحزانهم، ويقف على تفاصيل حياتهم وإيجاد حلول لهم لما يتصل بمشاكلهم في العلاقة والصراع على الوجود في القدس مع الاحتلال.
نحن بحاجة إلى مناضل من أجل المدينة المقدسة يكون مناضلا من أجل فلسطين كلها، تسكن القدس في قلبه وهو يسكن داخل المدينة، ويكون شعاره الدائم القدس فوق الجميع، وبأنها قضية أساسية في الصراع العربي الاسرائيلي. فالقدس ذاهبة إلى خطر داهم! ذلك أن المشاريع التهويدية لا تتوقف، وقادة الإحتلال «يؤمنون» بأن «القدس موحدة غير مقسمة عاصمة أبدية للدولة الصهيونية»! فإلى متى انتظارنا لقائد سياسي وميداني تكون القدس مدينته وبيته وأسرته وروحه؟! قائد تغدو المدينة المقدسة همه اليومي الذي ينقطع له وينشغل به؟! قائد يساعد ويؤازر، ويشحذ الهمم، ويعزز الصمود، ويدعو إلى الصبر والبقاء على أرض القدس، مهما كانت الصعاب؟! وإلى حين بروز مثل هذا القائد السياسي/ الميداني المقدسي... آه كم نشتاق لك يا فيصل، يا ابن عبد القادر ويا حفيد موسى، يا أمير القدس.
الراي 2017-11-03