جولة كوشنر وغرينبلات و«صفقة القرن»
رغم أن مصير ترامب لم يُحسم بعد، وما زالت علامات الاستفهام حول بقائه في السلطة قائمة، بل تصاعدت أكثر خلال الأيام الأخيرة، إلا أن قصة “صفقة القرن” التي سبق أن تحدث عنها، عادت لتطرح من جديد في ظل الجولة التي قام بها صهره (جاريد كوشنر)، رفقة مبعوثه لمنطقة الشرق الأوسط (غرينبلات)، وشملت أهم عاصمتين عربيتين، فيما يعلم الجميع أن عنوانها الأبرز هو الملف الفلسطيني، حتى لو تطرقت إلى ملفات أخرى بهدف التسويق، كما هو حال الملف الإيراني.
لا حاجة للتذكير بأن الكيان الصهيوني مقدَّم في وعي الرجلين على مصالح أمريكا ذاتها، وأن ترامب يظل في حاجة إلى رضا الصهاينة كي يواصل رئاسته، لأن حسم موقفهم منه سيطيح به خلال وقت محدود في ظل الحملة الكبيرة ضده في الأوساط السياسية والإعلامية (أضيفت الأمنية والقضائية)، لا سيما أن حجم النفوذ الصهيوني في الحزب الجمهوري بات يتفوق على نظيره في الحزب الديمقراطي.
الخلاصة أن الجولة كانت تتعلق بالملف الفلسطيني، وهذا ربما ما دفع نتنياهو إلى عدم المصادقة على مشروع ضمّ مستوطنات شمال الضفة لمدينة القدس، مع القول إن ذلك تمّ بطلب أمريكي، من أجل تسويق الجولة، من دون أن يتوقف بالطبع عن المصادقة على مشاريع أخرى لتوسيع مستوطنات قائمة، فضلا عن عمليات التهويد المستمرة في القدس.
قبل أيام لم تتردد قناة صهيونية في الكشف عن الملامح العامة لما يسمى “صفقة القرن” التي تحدث عنها ترامب، حيث أخبرتنا أنها هي ذاتها “الحل الإقليمي” الذي تم الحديث عنه مرارا خلال العامين الأخيرين، في ظل الصراع مع العدوان الإيراني.
والحال أننا لم نتردد في وقت سابق، وقبل حديث القناة الصهيونية، في القول إن “صفقة القرن” هي ذاتها “الحل الإقليمي”، والسبب بسيط ومعروف، ويتمثل في أن صفقة شاملة هي من سابع المستحيلات، لأن أحدا من العرب، مهما بلغ تماهيه مع الكيان الصهيوني لن يجرؤ على المواقفة على سقف المطالب الصهيونية من التسوية، والحل المتاح هو ذاته الذي اقترحه شارون في العام 2000، وتبناه أغلب الساسة الصهاينة بتعبيرات مختلفة لاحقا، ويقوم على تجاوز قضايا ما يسمى الحل النهائي الشائكة (القدس، اللاجئين، الاستيطان)، والتفاهم على حكم ذاتي ضمن حدود الجدار الأمني، وتطبيع مع العرب، من دون أن تكون هناك حاجة للقول إن “تنازلا عن تلك القضايا قد تم. وبمرور الوقت، يتحوّل المؤقت إلى نهائي”.
اليوم يتكرر الطرح ذاته الذي يقلب المبادرة العربية رأسا على عقب. فالمبادرة تتحدث عن انسحاب صهيوني من الأراضي المحتلة عام 67 (تم تجاوز قضية اللاجئين بالحديث عن حل متفق عليه)، يليه تطبيع عربي وإسلامي مع الكيان. أما هنا، فالتطبيع سينطلق مع عملية سياسية لا تقدم شيئا غير تكريس الوضع الراهن للسلطة مع تغييرات طفيفة، وبذلك يحقق الصهاينة ما عجزوا عن تحقيقه سابقا.
بعض العرب يتحدثون عن أن هذا المسار هو الذي يستقطب ترامب لصالحهم ضد إيران، لكن المصيبة أن ترامب يبتز إيران لصالح الصهاينة، وليس لصالحهم، بدليل أنه لم يفعل شيئا ضدها في سوريا ولا في العراق ولا في اليمن، مع العلم أن أي تفاهم أمريكي إيراني محتمل سيكون أيضا على حساب العرب الذين يواجهونها، وبذلك يدفع العرب الثمن مرتين؛ مرة بالأموال، ومرة من جيب القضية الفلسطينية، من دون أن يتحقق شيء عملي ضد عدوان إيران، وما لم يخلعوا شوكهم بأيديهم، فلن تكف إيران عدوانها.
ما يريده الأمريكان خطير. ولو تجاوزنا المنطق القومي أو المبدأي في الانحياز لقضية الأمة المركزية، فإنه أيضا ليس في مصلحة من سيدعمونه، أولا لأنه سيسيء إليهم أمام شعوبهم، وثانيا لأنهم لن ينفعهم خارجيا. فالرشد الرشد.
الدستور 2017-11-04