الكلاب والمدينة
توفيت مَلك ذات السنوات الثلاث الأسبوع الماضي متأثرة بجراحها بعد أن هاجمها كلب ضال بالقرب من منزل والدها في احدى بلدات اربد. في الاخبار ان الطفلة تعرضت للنهش في وجهها واطراف من جسمها وأسعفت الى المستشفى وبعد ذلك دخلت في غيبوبة لعدة ايام الى ان فارقت الحياة، ويروي والدها "أن ابنته كانت تلهو أمام ساحة المنزل، حيث هاجمها كلب ضال وقام بسحبها لأمتار عدة قبل أن يتدخل ويخلصها منه". قصة ملك القرعان تستحق ان تُصعّد وان تصبح قضية رأي عام بامتياز بدل صداع الإشاعات والتسريبات الرسمية وغير الرسمية التي لا طائل منها، فكل عام هناك عشرات من الضحايا وآلاف الاصابات جراء نقص الحماية من الحيوانات الضارة او العوامل البيئية ومصادر التهديد البدائية؛ بعد مئة عام من بناء المؤسسات والقوانين ونظم الحماية والأمن لا نستطيع حماية أطفالنا من الكلاب الضالة!
المفارقة المخجلة انه في الوقت الذي ندعو إلى استئناس الطبيعة من حولنا، نفتقد القدرة على تجاوز شذود الطبيعة وكائناتها، وفي الوقت الذي يتمتع أطفال بالحياة مع حيوانات اليفة هي مصدر سعادة لهم، يفقد أطفال أخرون حياتهم بفعل حيوانات أخرى، المفارقة ليست طبقية وليست هذه المساحة لهذا النوع من المفارقات بل المسألة تقوم في الأصل على بنية ما شيدناه من مدن ومجتمعات وقدرة النظم والخدمات على المواءمة مع متطلباتها.
مشكلة الكلاب الضالة والحيوانات الضارة بشكل عام واحدة من مشاكل بيئية كبيرة لا تجد اهتماما حقيقيا على الرغم من خطورتها، وهذه المشكلة لا تقتصر على القرى أو المناطق غير المؤهلة سكانيا كما قد يتبادر للبعض، بل تعاني المدن الكبيرة والأحياء المزدحمة منها وأولها العاصمة، ولقد وصل الامر أن قطعان الكلاب الضالة هاجمت مرارا مرافق ومجمعات سياحية، والكلاب الضالة تتجول ايضا في ساحات الجامعات وتتربص على ابواب المجمعات التجارية.
خلال العام الماضي سُجّلت آلاف حالات العقر من جراء مهاجمة الكلاب الضالة، وهناك أخبار يومية عن حالات العقر وحالات وفاة بعضها تصل إلى الأخبار والكثير لا يصل، ولا يوجد لدينا إثبات أن كلاب الأردن الضالة لا تحمل مرض السعار، بينما من المعروف طبيا أن كلاب الشوارع قد تنقل نحو 300 نوع من الأمراض علاوة على النباح الذي يعلو صوته على أي صوت في المدينة. سمعنا أن البلديات كانت في النصف الأول من القرن الماضي أكثر قدرة وإمكانيات على ملاحقة الحيوانات الضالة ولديها فرق مختصة لهذه المهام وكانت قادرة على توفير الامن البيئي للمجتمعات المحلية وهذا ما نفتقده اليوم.
للأسف لا يوجد خبرة حقيقية في مواجهة هذه المشكلة بينما نحتاج الى طرق اكثر انسانية من قنص الكلاب وإعدامها حيث تعد عمليات تعقيم وإخصاء الكلاب مكلفة وتحتاج إلى إجراءات معقدة من عمليات جراحية وقبلها تخدير وبعدها رعاية قد يفتقدها الكثير من البشر في بلادنا.
في التقاليد البدوية التاريخية استطاع الناس التخلص من أذى الحيوانات الضارة سواء باستئناس بعضها التي بدورها تولّت مهام حماية القطيع والديرة والاطفال أو بالنار والحذر، حدث ذلك منذ مئات السنين فيما الدولة الحديثة وبعد مائة عام ما تزال عاجزة عن حماية مدنها من بضعة كلاب. السؤال ماذا عن المدينة أو العاصمة الجديدة المنوي تشييدها في عرض الصحراء الجنوبية الشرقية حيث قطعان هائلة من الكلاب؟ سؤال ليس للسخرية بل هو ممزوج بالحزن والحيرة.
الغد 2017-11-04