«المُفلِسون».. أو اُفول الهيئة العليا للمفاوضات
لم يكد المُقترَح الروسي, الذي حظِي بدعم إيراني وتركي (شريكتا موسكو في مسار استانا).. يَخرُجُ إلى العَلن ويجد طريقه الى التحليل والنقاش المفتوح في الفضاءات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية, حتى سارَع ما تبقّى من معارَضات سورية وخصوصا الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن «منصة الرياض», الى رفض هذا المقترَح والإعلان عن رفضها حضور مؤتمر كهذا, ولم تنس بالطبع, لفرط خيبتها وصدمتها, من حقيقة أن عدد المدعوين الى المؤتمر يناهز « 33 « هيئة وحزبا سياسيا سوريا, القول: انها لن تشارك في أي مؤتمر « لا « يُعقَد تحت مظلة الأمم المتحدة.
لعبة مكشوفة تفضحها اللغة المرتبِكة والمنفعِلة بل والمُفلِسة التي استُخدمَت في بيان الهيئة العليا للمفاوضات, التي يرأسها الرجل الذي فقد ظِلّه وسمعَته رياض حجاب بعد ان كشف الرعاة والمُموِلون وعصابة إسقاط الدولة لسورية, عن الثمن الذي قبَضه مقابل إنشقاقه وكان الوسيط «إبن خاله» كما بات معروفاً, لينتهي رئيس الوزراء السوري الأسبق الى الإستيداع السياسي المُبكر, بعد أنه لم يعد قادرا على توفير البضاعة, بل إن «مؤتمر الرياض2» الذي طال انتظاره, لإعادة الروح الى جثة الهيئة العليا والإئتلاف ، لم يُبصر النور, بعد ان تتالت التأجيلات ولم يتضح بعد ما اذا كان سيلتئم أم لا؟رغم مرور الوقت واقتراب موعد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي 18 الجاري, فيما حدّد المبعوث الدولي النسخة الثامنة من جولات جنيف في الثامن والعشرين من الجاري أيضا.
هنا تبرز في خلفية المشهد, حملة التسريبات والقراءات والتحليلات المُغرِضة التي تسعى الى شيطنة المسعى الروسي واتهام موسكو بأنها تريد من وراء دعوتها لمؤتمر سوتشي السوري, «إفقاد» مسار جنيف جزءاً من أهميته, وبخاصة ان جدول أعمال المؤتمر «غير مكتمل وغير نهائي» رغم ما ألمح اليه رئيس الوفد الروسي لمحادثات استانا لافرنتيف, سيُركّز (جدول الأعمال) على ثلاث قضايا هي: دستور جديد وانتخابات برلمانية ورئاسية, تحت رقابة أممية.كذلك هي قائمة المدعوين ليست نهائية, على ما أكد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف.لكن آلة الدعاية الإقليمية المرتبطة عضويا بتلك الآلة الإمبريالية بالغة القدرة على الفبركة واختلاق الأكاذيب وتزوير الحقائق, تذهب بعيدا في محاولة إيقاف بقايا المعارضة على أرجلها المهتزّة وبخاصة «منصة الرياض» التي لم يعد أحد يحفل بها أو يكترث إذا ما حضرَت أو غابت, وستتجاوزها الأحداث لوجود هذا الكم الكبير من مُعارِضي الداخل والخارج, الذين أرادت منصة الرياض أن يكونوا تحت جناحيها وأن يُختزَل خطابهم ومواقفهم في ما يقوله نصر الحريري وزمرته.
شيء من هذا لم يحدث رغم ما يشاع ويُسرّب, سواء عن قصد أم فبركة, من وجود خلافات في المواقف والرؤى بين دمشق وموسكو وبين الأخيرة وطهران, وبخاصة حول جدول أعمال مؤتمر سوتشي, وكيف ان دمشق الرسمية (وهي التي أعلنت أنها ستحضُر مؤتمر سوتشي) بأن يقتصر جدول أعمال المؤتمر على نقطتين هما: تعديل الدستور (وليس كتابة دستور جديد) وإجراء انتخابات برلمانية (وليس َ رئاسية, كون فترة الرئيس الأسد الحالية تنتهي في العام 2021) وترفض دمشق ايضا مسألة الرقابة الأممية على الإنتخابات.
انقضت سبع جولات على مسار استانا ولم يحضر الإئتلاف أو منصة الرياض, وتوفّر للحاضرين من الفصائل المسلحة «الثقة والجرأة» لإبلاغ الهيئة العليا للمفاوضات أنهم يُمثلون حيثية ميدانية, فيما أصحاب «ألإئتلاف والمنصة لا يُمثلون سوى أنفسهم,كما جرى تحديد مناطق خفض التصعيد وادخال المساعدات وغيرها من الإجراءات (والمصالحات), دون أن تستطيع منصة الرياض تعطيلها أو حتى التأثير في مجرياتها, فكيف لهؤلاء الآن أن يتوفروا على «فيتو» يحول دون انعقاد مؤتمر سوتشي, الذي ما يزال هناك مُتّسع لا بأس به من الوقت, للتحضير له وضم المزيد من القوى والمكونات الداخلية والخارجية..موالاة ومعارَضة, ليخرجوا بتوافقات وتوصيات و»تجسيرات» على المواقف, تسمح لسوريا بالخروج من أزمتها والولوج إلى دائرة الحوار والتسويات السياسية, بعد أن هُزِم داعش وارتبك ألأميركان ولم يعودوا على قدرة لتعطيل أو وقف زحف الجيش السوري نحو المعقل الأخير لداعش في البوكمال, بعد تحرير كامل ديرالزور (يُقابِله العراقيون في مدينة القائم, بعد تنظيفها من رجس داعش), وفشل رهانهم على مرتزقَتهم من قوات سوريا الديمقراطية, للتمدّد الى أبعد مما سيطروا عليه, وهو كثير وكبير, وإمكانية صمودهم ودفاعهم عنه تبدو مستحيلة. وليعود المشككون في ذلك الى ما نقلته رويترز وجريدة الأخبار اللبنانية عن المبعوث الأميركي الإستخباراتي رفيع المستوى (ديفيد) الذي زار دمشق سراً (عبر بيروت), وأخبر من التقاهم من الأمنيّين السوريين, عن استحالة صمود الجماعات المسلحة المعارِضة لوقت طويل في الأماكن التي سيطرت عليها.(اانفي الأميركي المُرتَبِك, لا يغيِّر كثيراً في الواقِعة المُؤكَّدة).
أفلست منصة الرياض واحتمالات انعقاد «مؤتمر الرياض2» لإنتخاب هيئة عليا وقيادة معتدلة «جديدة» باتت صعبة وضربا من المستحيل, بعد أن فقَد هؤلاء حماستهم وسقطت الرهانات عليهم, وباتوا بلا وظيفة أو مهمة ينهضون بها, إثر ما كرّسته الميادين والتحالفات الجديدة الآخذة في البروز والتشكُّل, بعد فشل مخطط إسقاط الدولة السورية وإعادة رسم خرائط المنطقة, رغم ما يحاوله أردوغان وما يسعى الى جعله أمراً واقعاً, في إدلب وخصوصاً تواطؤه مع جبهة النصرة, وزحف جيشه نحو عفرين وإقامة «ثماني» قاعدة عسكرية في الشمال السوري, ووضع فيتو على حضور الأحزاب الكردية, رغم انها احزاب «سورِية» وليست... تركية.
الراي 2017-11-05