تسويات مؤجلة
واجهت المنطقة العربية، ثلاثة تحديات، خلال السنين الاخيرة، وهي الربيع العربي، ظهور تنظيم داعش، والتدخل الايراني، واضيفت هذه التحديات الى وجود اسرائيل، التي تعد التحدي الاكبر، في العالم العربي، والتي استفادت بشكل او آخر من هذه التحديات، ولعبت دورا فيها، بشكل او آخر.
هذه التحديات تتراجع اليوم، فالربيع العربي، ترك آثاره الحادة على دول كثيرة، مثل سوريا، وداعش في ايامها الاخيرة، بعد ان كانت سببا في استنزاف العراق وسوريا وليبيا ودول اخرى، فيما التدخل الايراني، مايزال مستمرا، وتقاطع بشكل او آخر، مع مايجري في دول عربية، في ظل التحديين السابقين.
تقييمات المنطقة، مابعد التحديات الثلاثة، ربما بحاجة الى دراسة عميقة، لقراءة امرين، اولهما، كلفة هذه التحديات على المنطقة، من حيث الخسائر الانسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية، وتأثير ذلك على المنطقة العربية برمتها، وثانيهما الموقف من اسرائيل والاحتلال، خلال السنين المقبلة، بعد انتهاء حالة التشاغل ببعض التحديات، وبقاء بعضها، وتحديدا العلاقة مع ايران، ومشروعها في المنطقة، الذي يمتد حتى اليمن، ومناطق اخرى في عالمنا.
الحديث عن قدرة العالم العربي، على استعادة انفاسه، والوقوف مجددا، واستعادة الروح من اجل اعادة البناء، والنهضة والتنمية، بعد تبدد الربيع العربي، وداعش، حديث يميل الى المبالغة.
كل القراءات تؤكد ان الكلف الكبيرة لما جرى في المنطقة، لن تزول بهذه البساطة، وتبدو امكانية اعادة البناء قليلة، خصوصا، ان المشروع الايراني من جهة، واستمرار وجود الاحتلال الاسرائيلي، من جهة اخرى، سيدفعان تحديات جديدة الى المنطقة، خلال السنين المقبلة.
هذا يعني اننا لسنا امام محطة استراحة، توحي بها كثرة التقارير السياسية والاعلامية، التي تحتفي بزوال داعش من جهة، وتوقف الربيع العربي في دول كثيرة، ومايمكن قوله هنا، ان هناك خلطا كبيرا، بين كون الربيع العربي وداعش، نتيجتين طبيعيتين لظروف كثيرة في المنطقة، وبين كونهما مجرد أدوات تم توظيفهما من جانب اطراف اخرى.
بما انهما مجرد اداتين، فأن علينا توقع انتاج ادوات جديدة في المنطقة، في سياقات تقول ان المشروع الايراني مايزال مستمرا، من جهة، ومخططات اسرائيل ماتزال مستمرة ايضا، لذات المنطقة، وتوقف الادوات عن ممارسة دورهما، لايعني انتفاء النية لانتاج ادوات جديدة، بعد سنين الهدم التي تعرضت لها المنطقة.
مايراد قوله هنا، ان هناك فرقا كبيرا، في التحليل بين اعتبار الربيع العربي وداعش، مجرد ظروف استجدت ثم مرت وتبددت، وبين فهم دورهما الوظيفي من جانب قوى اخرى، واذا فهمنا الدور الوظيفي الاساسي، فأن علينا الاعتراف ان المطابخ التي ادارت ظاهرتي الربيع العربي وداعش، قادرة على انتاج ظواهر جديدة، لضمان انهاك المنطقة، بعد قطف ثمار الربيع العربي وداعش، على مستوى امني اقليمي، يصب لصالح ايران، في بعض الجوانب، ولصالح اسرائيل في جوانب اخرى.
الخلاصة، ان المنطقة لن ترتاح، والشعور المزيف اننا امام تسويات لأزمات المنطقة، ومرحلة هدوء، شعور يجب ان يتم التأكيد على كونه مجرد وهم كبير، امام واقع يؤكد اننا امام حروب جديدة للاستنزاف خلال السنين المقبلة، لكن بأدوات جديدة، مما يقول ان العرب لن يلتقطوا انفاسهم، بهذه البساطة، التي يظنها المحتفلون بزوال هذه الاخطار، دون قراءة عميقة، لاصلها وجذرها، الذي مايزال حيا.
الدستور 2017-11-05