بدل أن نلعن بلفور !!
في مدارس زمان كان يوم الـ 2 من تشرين الثاني يومًا لذكرى لم تغب؛ إذ كانت تخصص الحصة الأولى لإلقاء الخطب والقصائد واللعنات على بلفور، وفي المساء تطفح الشوارع بالغضب والمظاهرات ضد «الوعد المشؤوم». فتية مؤمنون أنّ فلسطين عربية من البحر إلى النهر.. كانت الحناجر الطرية تجف ولا تحس بالجفاف.. تنادي بأعلى وطنيتها «فلسطين عربية» و يسقط يسقط وعد بلفور». ولما كنا صغاراً كان البعض منا لا يسمع جيدًا «قائد» المظاهرة الطويلة فيصيح «يسقط يسقط واحد من فوق» ويردد آخرون معه الكلام نفسه.
اليوم وبعد ان تحقق وعد بلفور وأصبح من الماضي. وصارت «اسرائيل» دولة صديقة واعترف بها الرسميون الفلسطينيون انفسهم؛ بسبب ضيق النفس وقصر النضال، لم يزل البعض يلعن سنسفيل بلفور ويشتم صاحب الوعد باعطاء اليهود وطنا قوميا في فلسطين .لكن احدًا لم يتوقف عند نص الوعد؛ وماذا بعد الصراخ والغضب واللعنات بعد مرور مائة عام عليه .
بعد الانتكاسات والتقلصات التي مرت بها القضية الفلسطينية بعد نكبة 1948، والتعلق بحبال السلام الواهية مع اسرائيل بدءًا من «كامب ديفيد» وما تلاها، انشغل العرب بـ»خريطة الطريق» التي روجها جورج بوش الابن، فلم تؤدي الخريطة الى طريق بل إلى مزيد من التيه. ثم جاء حل الدولتين فاذ بنتنياهو يريدها دولة فلسطينية «سمول سايز» بالكاد تتسع لقطعة من الحلم الفلسطيني.
اقترح نتنياهو مؤخرًا، نموذجا للدولة الفلسطينية، إذ يراهن على تطبيع العلاقات مع الدول العربية ضمن التسوية الإقليمية التي تحركها الإدارة الأميركية، فيما واصل وقال نتنياهو إنه «يبحث عن موديلات ونماذج جديدة للسيادة الفلسطينية على الأرض بما فيها دولة دون حدود مع بقاء المستوطنين».ولفت إلى إن العديد من الدول العربية تلتف حول إسرائيل بشكل لم يكن يتوقعه .وأعرب عن أمله في نجاح مبادرة أميركية للسلام في الشرق الأوسط، وأشاد بالرئيس دونالد ترامب، لأنه سلك نهجًا جديدًا لإعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، على حد تعبيره. وذكر أنه يجب التفكير في نماذج جديدة للسيادة الفلسطينية على الأرض بما فيها الحدود المفتوحة منعا للوصول إلى نموذج مشابه لنموذج غزة وجنوبي لبنان».وأضاف «حيثما خرج الجيش فإن الإسلام المتشدد يحل مكانه»، على حد قوله.
ورفض نتنياهو فكرة مسألة إخلاء المستوطنين من الضفة الغربية المحتلة، قائلا إنه «يجب القيام بحل سلمي يضمن بقاء المستوطنين في بيوتهم».
وزعم أنه لن يتم طرد الفلسطينيين في الداخل في إطار السلام «لذلك يجب عدم المس بالمستوطنين في الضفة».ووصف نتنياهو فكرة إخلاء المستوطنين من الضفة بـ»التطهير العرقي».وقال: «قبل التوجه لإقامة دولة فلسطينية يجب أن ندرس من جديد الموديل العصري للسيادة دون حدود، وهل بالإمكان تطبيقها بكل مكان في العالم؟».وتابع «أبحث عن موديلات تشمل الحدود المفتوحة دون السيطرة على المجال الجوي»!!
بدل ان نصرخ ونعرق ونلعن بلفور لماذا لا نطالب بريطانيا بتنفيذ الشق الثاني من الوعد وهو الشق الذي نلهث وراءه وتعترف به الحكومة البريطانية .فقد كتب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون مقالاً عن وعد بلفور أوضح فيه سياسة حكومة بلاده تقضي بأن بريطانيا ستقدم كل ما في وسعها من دعم لإكمال ما لم يكتمل من عناصر وعد بلفور، معتبراً أن الحل بالنسبة لإسرائيل، هو مولد دولة فلسطينية وهو السبيل الوحيد لتأمين مستقبلها الديمغرافي كدولة يهودية وديمقراطية. وبالنسبة للفلسطينيين، فإن قيام دولة خاصة بهم سوف يتيح لهم تحقيق تطلعاتهم بتقرير المصير وحكم أنفسهم بأنفسهم.
الدستور 2017-11-08