خطاب "الممانعة" إذا انتصرت
شكل اصطفاف حزب الله مع النظام السوري، في موقفه ضد المطالبة بالحريات العامة، في السنوات الأخيرة، معضلة لكثير من محبي الحزب. لكن ما قلل وطأة هذه المعضلة، هو دخول السلفية الجهادية، وبوادر "السعادة" الإسرائيلية، والدعم الضمني، لبروز جماعات مثل جبهة "النصرة"، إلى المشهد. وأدى ذلك الدخول إلى إعطاء منطق ما، لفكرة "المؤامرة" ضد النظام السوري، باعتباره ظهيرا للمقاومة، والممانعة، وأنّ الوقوف معه بالتالي موقف "قومي". والآن إذا استطاع هذا النظام الاستمرار بالتواجد، فإنّ المنطق أن يفتح ذلك السؤال عن نوع الحياة التي يقدمها النظام لشعبه، ولكن هذا لن يحدث للأسف، سوى من قبل الشعب السوري الذي يعيش المعاناة، فيما المتضامنون المرفهون، خارجيا، لهم حسابات أخرى، حتى وإن كانت نواياهم صادقة.
لا تعد ظاهرة استخدام الاستعمار والإمبريالية، والمؤامرات الخارجية، حكراً أو سابقة على أنظمة مثل سورية وإيران، فقد استخدمتها كل الأنظمة التي تذرعت بالأيديولوجيا والقومية لمنع تداول السلطة مع غيرها. وأهم وأبرز من قام بذلك، هو الحزب الشيوعي الذي حكم الاتحاد السوفياتي، منذ العام 1917 وحتى 1991، وهناك ثلاثة أركان أساسية، لجأ لها الحزب الشيوعي السوفييتي، يكررها نظام كالنظام السوري.
الركن الأول، تقديم النظام لنفسه على أنّه يمثل الخلاص والتحرر، وبالتالي فإنّ أي معارضة له، تواطؤ مع مؤامرة خارجية واستعمارية إمبريالية، وهذا يبرر القمع والفساد وأي شيء آخر، باعتباره أمرا ثانويا. وكما كانت الولايات المتحدة تبرر كثيراً من سياساتها العدوانية، داخلياً وخارجياً، بوجود "إمبراطورية الشر" السوفييتية، هناك تبادل منافع ضمني الآن؛ فجزء مهم من شرعية الحكم في طهران ودمشق قائم على مزاعم فكرة التصدي للعدو، وجزء كبير من السياسات الإسرائيلية، ومن تجديد انتخاب اليمين وتمدده، قائم على "التخويف" من حزب الله، وإيران.
الركن الثاني، هو أنّه بما أن موازين القوى ليست مواتية، وأنّ الخلاص والانتصار يحتاج لكثير من الإمكانيات والجهد، فلا يجب أن يستعجل أحد هذا الحزب، أو النظام، بتقديم وعوده. فالشيوعية اعتبرت انهيار الرأسمالية حتمية، وبالتالي لا بد من الانتظار، دون إلحاح على فعل شيء ما، لأنّ هذا سيُعدّ مغامرة خطرة. وفي حالة النظام السوري، هذا يبرر أولا، عدم الرد على الاعتداءات الإسرائيلية، ويبرر مهادنة الإسرائيليين والأميركيين، كما حدث في الحرب الإسرائيلية على لبنان، عام 1982، عندما أنهى النظام السوري أي دور له بالحرب سريعاً، وجلس يراقب المقاومة الفلسطينية واللبنانية، يعطيها التوجيهات والانتقادات والاقتراحات، فيما الجيش الإسرائيلي يبعد خطوات عن القوات السورية. وقد صدر مؤخراً كتاب لجميل هلال، مسؤول الإعلام في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أثناء حرب 1982، فيه الكثير من التوثيق للموقف السوري في تلك الحرب.
الركن الثالث، ويتصل بالثاني، هو رعاية فكرة الحرب بالوكالة، أي رعاية أطراف أخرى ترفع شعار المقاومة، (كما رفع السوفييت شعارات رعاية الثورة)، ويتم فعلا دعمها ماليا وعسكرياً، بشرط عدم خروج قرارها السياسي، عن مقاييس مطالب الدولة الراعية، ونظامها. فلا لدخول سورية في مواجهة مباشرة مع الإٍسرائيليين، ولكن لا بأس أن يدمر لبنان مرة بعد أخرى في مواجهات مع الإسرائيليين، والتبرير أن سورية هي سند المقاومة، الذي يجب أن يبقى سليماً.
إذاً هناك أولاً خطاب مقاومة مهم لأجل شرعية الحكم واعتبار أي مطالبة بالديمقراطية، أو أي أسئلة عن الفشل الاقتصادي، وعن الفساد، مؤامرة، يقابل ذلك خطاب إسرائيلي يعزف على وتر الخوف من مخططات إيران وحلفائها. دون أن يلغي هذا وجود خصوم للنظام القمعي، أكثر قمعية وسوءا منه (مثل داعش وغيرها). وثانيا، هناك ادعاء للعقلانية والواقعية في النظر لموازين القوى، إذا ما كان السؤال لماذا لا يقوم نظام الممانعة بالتصدي فعلا للعدو الخارجي. وثالثا، لا بأس أن يقوم أي طرف خارجي بأي أمر مهما كانت نتائجه، فلا بأس أن تنطلق "حماس" والفصائل الفلسطينية من غزة أو لبنان، شرط أن تؤيد النظام السوري، ولا بأس من دخول حزب الله ولبنان لأي مواجهة، طالما هي بعيدة عن سورية ونظامها.
الغد 2017-11-09