أتركوا فلسطين راهنًا
تزداد سخونة المشهد السياسي في المنطقة، إلى درجة الحديث عن تصعيد عسكري هنا وهناك؛ إن كان مباشرة، أم عبر تصعيد الحروب بالوكالة، لكن القضية الفلسطينية تبقى في صلب الحراك الراهن، وبالطبع تبعا لوجود ترامب في البيت الأبيض، ولقناعة بعض العرب أن تل أبيب هي مفتاح قلبه؛ ما يعني أن جزءا معتبرا من الصراع يؤثر جوهريا على القضية الفلسطينية إذا مضت الأمور وفق أحلام نتنياهو.
لا نحتاج إلى الضرب في الرمل، ولا إلى الكثير من التحليل حتى ندرك ما يريده الصهاينة من الوضع الراهن في المنطقة، وما يعمل عليه مبعوثو ترامب، وفي مقدمتهم الصهر العزيز (كوشنر)، فهم ابتداء معنيون بابتزاز إيران من أجل وقف برنامج الصواريخ بعيدة المدى، وهم معنيون قبل ذلك وبعده بتغيير خطابها حيال القضية الفلسطينية برمتها، رغم قناعتهم بأنه خطاب هاجسه الاستثمار السياسي في المشروع المذهبي أكثر من أي شيء آخر، بما في ذلك دعم قوى المقاومة .
وإلى جانب ذلك كله، هم (أي الصهاينة) معنيون بدفع العرب لقبول ما يسمى “الحل الإقليمي” الذي يقلب المبادرة العربية رأسا على عقب، ويضع التطبيع قبل الانسحاب، لأن انسحابا لن يكون في الواقع العملي، وما سيحدث هو إعادة ترتيب الوضع الفلسطيني على أساس دويلة أو حكم ذاتي، من دون القدس ومن دون اللاجئين، ومن دون السيادة، وعلى حدود الجدار راهنا، مع تحسينات أخرى لاحقا، ووعود اقتصادية، وبذلك يتحوّل المؤقت إلى دائم بمرور الوقت، وهنا تبرز معادلة جديدة تتعلق بارتباط هذا الحل بالأردن.
في الأنباء المسرّبة أن كوشنر سأل الرئيس الفلسطيني أثناء لقائه معه في رام الله عن رأيه من حيث المبدأ بفكرة الفدرالية، فرد الأخير بالقول إن “هذا موضوع قابل للنقاش لكن بعد قيام الدولة الفلسطينية”. ولم يقدم كوشنر بالطبع أي تفاصيل عن الصيغة التي يتحدث عنها، لكننا نعرف أنها صيغة فدرالية بين الأردن وبين السكان في الضفة الغربية، أي أنها تكريس للوطن البديل عمليا، وتخلص من فكرة الانسحاب الحقيقي.
وحتى لو قيل إن هناك دولة فلسطينية، لأن الأمريكان لا يمانعون في المسمى، وكذلك نتنياهو، فإنها ستكون بلا سيادة، أي أن النتيجة هي فدرالية مع سكان لا أكثر.
المصيبة ليست فيما يريده نتنياهو أو كوشنر أو ترامب، فكل ذلك أمر طبيعي في واقع الحال، لكنها تكمن في مواقف بعض العرب التي تؤيد مثل هذه الطروحات، بدعوى كسب أمريكا إلى جانبهم، وهنا يشيع خطاب إعلامي يقارن بين خطورة المشروع الإيراني وخطورة المشروع الصهيوني لتبرير ذلك.
المصيبة أن الابتزاز الأمريكي لإيران لا صلة له البتة بمصالح العرب، بل بمصالح إسرائيل، فيما لا تمانع واشنطن ولا تل أبيب، بل تشجعان استمرار الصراع في المنطقة مع إيران، لأن لذلك منافعه المعروفة، وفي حال وافقت إيران على صفقة ما، فلن يمانع الطرفان، وهي صفقة ستكون دون شك على حساب المتفائلين بالدعم الأمريكي.
مواجهة ايران تستدعي حشد الأمة، ولن يحدث ذلك، بمعزل عن قضية فلسطين، ولا يُعتمد على دولة مرتبكة (أعني الولايات المتحدة)، ولم تتمكن من فعل الكثير في مواجهة إيران، بخاصة في العراق رغم المساعدة الكبرى التي قدمتها لها في مواجهة تنظيم داعش.
الدستور 2017-11-11