المطلوب... وقفة مع الذات!
إذا لم تكن منظمة «مراسلون بلا حدود» قد استهدفت الأردن بإعطائه الموقع الحادي عشر عربياًّ والـ 138 دولياًّ في تقريرها حول حرية الصحافة، الذي أصدرته أمس الأول، وأنا في حقيقة الأمر «أستبعد ذلك» لأنه ليس بيننا وبين هذه المنظمة ما يجعلها تنحاز ضدنا على هذا النحو، فإنه علينا نحن المعنيون مباشرة بهذه المسألة البالغة الأهمية، وقد قطعت حركة التاريخ نحو عقدين من السنوات في الألفية الثالثة والقرن الحادي والعشرين، وبينما الإعلام في الكرة الأرضية كلها قد قفز هذه القفزة النوعية وأصبح عمليا سلطة أولى، وليس سلطة رابعة في كل الدنيا وفي أربع رياح الكرة الأرضية.
كل هذا؛ وعندما نراجع تاريخ الحريات العامة وحرية الصحافة تحديداً فإننا نجد أن الأردن الذي في منتصف خمسينيات القرن الماضي لم تكن فيه جامعة واحدة وكانت الأمية فيه تصل إلى أرقام فلكية، كان في هذا المجال في طليعة ليس الدول العربية وإنما في طليعة الدول الديموقراطية في العالم كله، وفي مقدمتها الدول العريقة في هذا المجال مثله مثل العديد من الدول الأوروبية الغربية لأن دول أوروبا الشرقية في ذلك الحين كانت ملحقة بالاتحاد السوفياتي وكانت تحكمها وتتحكم بها المخابرات السوفياتية الـ «كي.جي.بي»!!.
ربما أن بعضنا، إن من الذين خطّ الشيب رؤوسهم مثلي وإنْ من الأجيال الصاعدة يتذكر أن الملك حسين رحمه الله الرحمة الواسعة، وعندما كلف المرحوم فوزي الملقي بتشكيل أول حكومة في عهده، شدّد على أن تكون حكومة حرية حياة حزبية حقيقية وحكومة حريات عامة وحريات صحافية فعلية، وهذا ما استمر لاحقاً مع حكومة سليمان النابلسي التي اغتالتها عدوى الإنقلابات العسكرية التي كانت في ذلك الحين ظاهرة عربية، سريعاً ومبكراًّ وساد ذلك الواقع الذي ساد منذ ذلك الحين وحتى العام 1989.
وهنا؛ فإن الكل يعرف أنَّ البدايات كانت مشجعة وأن معظم «الطيور المهاجرة» قد عادت الى وطنها؛ وأن بلدنا، الأردن الحبيب، قد استأنف في هذه البدايات مسيرة منتصف خمسينات القرن الماضي المباركة، وبالتالي فإن ترتيبنا في تقرير: «مراسلون بلا حدود» لن يكون هذا الترتيب المخجل لو لم تتحول تجربتنا الحزبية إلى تجربة «عرجاء» وإلى ما هي عليه الآن، ولو لم يرد بعضنا «تنظيمات وأفراد» القفزمن قاع القفة إلى أذنها بعدما استبدت بهؤلاء النزعة الإستحواذية.. والنزعة الإنقلابية أيضاً ولكن بدون بلاغات عسكرية.
ولذلك؛ وبعد كل هذه التجربة الطويلة منذ عام 1989 وحتى الآن فإنه علينا ألا نبقى سادرين في غيّنا، وإنه علينا أن نتحلىّ بالشجاعة المطلوبة وأن نمارس نقداً ذاتياًّ قاسياًّ، أحزاباً وصحافة.. وأيضا حكومة، إذ غير جائز ألا يكون هذا الأردن الجميل ليس ما كان عليه في منتصف خمسينات القرن الماضي!!.
الراي 2017-11-12