عن قمة بوتين – ترمب التي.. «لم» تُعقَد
انتهى الجدل ولم يعد السؤال عمّا إذا كان سيُعقد لقاء قمة بين الرئيسين الروسي بوتين والاميركي ترمب؟ على هامش قمة التعاون الاقتصادي بين آسيا والباسفيك (أبيك) التي انتهت للتو في مدينة دانانغ في وسط فيتنام, وبخاصة ان القمة «اليتيمة» التي عُقدَت في هامبورغ بالمانيا تموز الماضي على هامش اجتماع G20 لم تنجح في التجسير على المواقف المتباعِدة بينهما.
السؤال الاكثر اهمية هو لماذا لم تُعقد قمة كهذه كان المتفائلون يتوقعون ان تُسهم في منع تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن الى اسوأ مما هي عليه الان, في ظل اتساع وتعدّد ساحات المواجهة التي أخذت طابعاً انتقامياً وعداءً متصاعداً ينذِر باحتمالات خروجها على نطاق السيطرة, وبخاصة في سوريا ما بعد داعش التي يعوّل الاميركيون كثيراً على احتمالات نجاحهم في عرقلة مساعي موسكو لانضاج ظروف ملائمة كي ينطلق الحوار السوري الوطني الشامل في سوتشي، حيث راجت تسريبات اميركية مقصودة بان ترمب «اشترط» عقد لقاء قمة مقابل موافقة موسكو على ثلاث نقاط هي (كما اوردتها صحيفة الشرق الاوسط اللندنية»: تمديد اتفاق منع الصدام (شرق سوريا) وتعزيز خفض التصعيد والثالث وهو «الأبرز» إطلاق مفاوضات سياسية في جنيف برعاية دولية لتنفيذ القرار 2254.
القصد الاميركي من شروط مُفخّخة كهذه واضح, يكاد الساذج ان يكتشف حجم الخبث والمناورة التي تقف خلف مسعى اميركي لفرملة النجاح الروسي في إحباط مخطط تقسيم سوريا ورهان واشنطن على مرتزقة «قسد» في فرض أمر واقع في منطقة شرق الفرات, وبخاصة بعد تدميرهم مدينة الرقة التي زعموا انهم حرّروها، ثم صفقاتهم التي لم تعد خافية على أحد مع داعش, سواء في تسليم الاخير لحقول النفط في شرق سوريا للاميركيين والمرتزقة في قصد والاخطر في سعيهم الذي فشل للوصول الى مدينة البوكمال, التي ما ان أعلَن الجيش السوري تحريرها,حتى شجّع الاميركيون داعش على شن هجوم مضاد نجح فيه التنظيم الذي يبدو انه يسعى لتخليص زعيمه ابو بكر البغدادي المختبئ في أحد احياء المدينة، لكن هجومه تم امتصاصه واحتمالات اعتقال او قتل البغدادي باتت مرتفعة إذا لم نقل مؤكدة هذه المرة.
ما سبق قوله.. لا يُغفل «البيان» المشترَك الذي وقّعه الرئيسان يوم امس, والذي جاء نتاج «اجتماع» بين لافروف وتيلرسون خُصِّص للملف السوري, دون الملفات الخِلافِية والساخنة الأخرى, ما يعني بقاء الخلافات على ما هي عليه الآن.
ان تُبرّر الناطقة باسم البيت الابيض سارة ساندرز بأن القمة بين ترمب وبوتين لن تُعقد بسبب «صعوبة التوفيق بين جدولي أعمال الجانبين» تبدو غير مقنعة واللغة الدبلوماسية التي صيغ بها التبرير تعكس عمق الخلافات بين موسكو وواشنطن, بعد انهيار الثقة بينهما, وبخاصة إقدام الاخيرة على خطوات واجراءات غير مسبوقة تناقض العرف الدبلوماسي وتضرب القانون الدولي, عندما تضع يدها على القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو وتقوم بمصادرة ارشيف القنصلية, دع عنك اجراءاتها ضد وسائل الاعلام الروسية العاملة على الاراضي الاميركية مثل شبكة RT ووكالة سبوتنيك ومطالبتهما بالتسجيل كـ»عميل اجنبي», اي بدون حرية حركة كوسائل إعلام, وهو أمر تستعد موسكو من جهتها لاتّخاذ اجراءات مضادة, يرشح انها ستطال شبكة CNN الاميركية وصوت اميركا واذاعة الحرية وغيرها من وسائل الإعلام الأميركية التي تعمل في الاراضي الروسية, ما يرفع من منسوب التوتر ويسهم في مراكمة التدهور, الذي طرأ بعد وصول ترمب الى الحكم قبل عام من الان, والذي ما يزال حزب الحرب والواقفون خلف مزاعِم التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الاميركية لصالح ترمب ينفخون في كيرها, ويعولون كثيراً على ما يقوم به المحقق الخاص «مولر» في هذا الشأن. وسط تسريبات تتحدث عن ادلة بات يتوفر عليها مولر «ضد» بطانة ترمب واركان حملته الانتخابية, بمن فيهم نجله الاكبر وصِهرِه ومدير حملته ومستشاره للأمن القومي المقال الجنرال فيلين.
ملفات الخلاف الاميركي الروسي المعروفة ما تزال على حالها, سواء في اوكرانيا ام سوريا وذلك المرتبِط بالانتخابات الرئاسية, لكن الاوضاع في اوكرانيا ما تزال تحت السيطرة رغم محاولات اليمين الفاشي في كييف عسكرة الاوضاع والدفع باتجاه مواجهة تستدرج تدخلاً اوروبياً وربما اطلسياً, بعد تنصّل كييف المتواصل من تنفيذ اتفاق مينسك، أما الملف السوري فيبدو أن واشنطن تركز عليه وتسعى للاستثمار فيه رغم اخفاقها الذي لم يتوقف, مع إقتراب مواعيد مهمة, إذ ستعقد اطراف منصة الرياض المتصدعة والبائسة اجتماعها الذي تأجل كثيراً يومي 22 و23 الجاري, فيما الجولة الثامنة من جنيف يتوقع ان تلتئم في الثامن والعشرين من هذا الشهر, إذا لم تحدث مفاجأة تطيح بالموعد, وهو محور الاهتمام الاميركي حيث تريد ادارة ترمب تسخير مسار استانا للأمور «العسكرية» كمناطق خفض التصعيد بما في ذلك احتمال توقيع اتفاق جديد في جنوب دمشق واجراءات بناء الثقة (...) مع ترك الأمور «السياسية» الى مفاوضات جنيف برعاية الأمم المتحدة.
يمكن وصف المحاولة الاميركية بـ«الهجمة المضادة» لسحب البساط من تحت اقدام موسكو, ومحاولة إحياء جثة «جنيف 1» التي خرجت من التداول, وإن كان ايتام «الثورة» المُدّعاة ما يزالون يطالبون بما جاء في تلك الجولة, دون التفات او اعتراف بما كرّسته «الميادين» وموازين القوى وما اطاحته من أوهام وترّهات. ولم يعد امامهم سوى الإقرار بالفشل والهزيمة.
الراي 2017-11-12