الشروط الوطنية للنقاش حول رفع الدعم
الأمر الذي يجلب المزيد من الإحباط حول واقع الاقتصاد الوطني ومستقبله تلك الصيغ الدعائية وما يشبه الخداع البصري والمعلوماتي الذي يتدفق لتبرير ما تريد الحكومة الذهاب اليه من رفع الدعم عن الخبز. صحيح لا يمكن السير قدما في تطوير إصلاحات اقتصادية بوجود سياسات دعم أكل الدهر عليها وشرب؛ ولا يعقل ان يستمر الاقتصاد الوطني يعاني من هذا النزف الى الابد بغض النظر عن أن نحو نصف سكان المملكة بات يتشكل من لاجئين وعمال وافدين وسياح وزوار وغيرهم، وعلينا أن ندرك ان وجود تلك الفئات محرك اقتصادي مهم.
ولكن أي اصلاحات سوف تنهش جيوب الناس الفارغة وسط هذه الظروف الصعبة والقاسية لا يمكن ان تستقيم الا اذا شيدت على اصلاحات حقيقية وجادة يشعر الناس والطبقات المطحونة تحديدا أنها بالفعل اصلاحية وستعود على البلد في نهاية اليوم بالفائدة، وهذا ما لم نلمسه الى هذا الوقت على اقل تقدير. سياسات رفع الدعم المعمم تحتاج الى سياسات بديلة في شبكات الامان الاجتماعي وتحتاج قبل ذلك إرادة وقدرة على تحمل الكلف الاجتماعية لهذا التحول، وهذا الامر بات يحذر منه صندوق النقد الدولي الذي رُبطت به تاريخيا وصفات رفع الدعم.
أول الشروط للنقاش الوطني حول سياسات رفع الدعم تتطلب أن تكون ضمن سياسات اصلاحية وطنية نابعة من الداخل وليست املاء من الخارج، اي الحاجة الى برنامج اصلاح وطني حقيقي يقوم على بناء اقتصاد انتاجي يعتمد على الذات بالفعل وليس بالشعارات، ولا يعني ذلك تجاهل أننا نعيش في عالم يتبادل المصالح ويحتاج إلى تنازلات هنا وهناك بما في ذلك العلاقات مع المؤسسات التمويلية والنقدية الدولية.
الشرط الثاني العودة إلى قانون الدين العام، أي العودة الى وضع سقف للديون العامة، بمعنى الحاجة الى إرادة سياسية وطنية تقول إن علينا إيقاف الديون الخارجية على أقل تقدير لمدة خمس سنوات، فبدون ان يطلب من قبل المؤسسات التمويلية خفض قيمة الاقتراض بالمقارنة من الناتج الاجمالي الوطني علينا العودة الى قانون الدين العام الصادر العام 2001 حيث تنص المادة (23) من القانون ذاته "على الرغم من أي نص مخالف لا يجوز أن يزيد الرصيد القائم للدين العام في أي وقت من الأوقات علـى (80 %) من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية للسنة الأخيرة التي تتوافر عنها البيانات". وفي 2008 لحقت بهذا القانون تعديلات جديدة، ثم قام مجلس الوزراء بإصدار قرار بوقف العمل بالمواد المعدلة، وفي 2014 عاد وحدد مدة ثلاث سنوات لوقف العمل بهذه المواد، وفي 2015 جاء الديوان الخاص بتفسير القوانين بقرار غامض منح الحكومة حق التصرف بتحديد المدة التي تشاء، أي أن تقترض كيفما تشاء، وهكذا دشّنا كارثة الديون.
مسألة شبكات الامان الاجتماعي تحتاج منظورا جديدا للتخلص من كل سلبيات الدعم المعمم، وربما سيكون من الصادم للبعض القول ان هذه الشبكات قد تطال ايضا اللاجئين، وأحيانا، حتى العمال الوافدين، فسياسات الدعم المعمم تكون كارثية ليس بفعل هذه الفئات؛ ومن الصادم القول ان سياسات الدعم لم تعد إحدى تعبيرات العقد الاجتماعي ولم تعد اداة مجدية في استيعاب الصدمات والتكيف مع التحولات؛ بل إن الدعم المعمم بات يفتقد إلى الكفاءة في حماية الفقراء، فالمستفيد منه في معظم الحالات هم الأثرياء الذين يستطيعون الإنفاق على مستويات مرتفعة من الاستهلاك.
الغد 2017-11-12