نصر الله عندما شخر ونخر .. ونفخ على الشمس والقمر
العنوان أعلاه ، كنا ألفناه صغارا في قصص بني هلال والزير سالم أبو ليلى المهلهل ، ويذكرنا بما كان يقوله الراوي بلغة شعبية ركيكة : " يا سادة يا كرام ، في سابق العصر والأوان ، تقدم الزناتي خليفة مقابل أبو زيد الهلالي ، وعندما التقى الفارسان كأنهما جبلان ، استل الزناتي سيفه البتار وعيناه مثل النار ، وشخر ونخر ونفخ على الشمس والقمر .. وهي جملة لازمة في قصص " الختيارية " التي كانت تتحدث عن بطولات لا وجود لها ، ولكنها ضرورة سهرات البيادر والغلال والليالي القمرية.
وكما كان متوقعا ، فقد خرج حسن نصر الله إلى اللبنانيين من وراء حجاب ليضعهم في صورة ما يجري في بلدهم من وجهة نظر أسياده في طهران وإن كان بقالب لبناني وبلهجة لبنانية .
رأينا ، كما نرى في كل خطاباته ، رجالا ومعممين وسياسيين ونوابا ، ونخص بالذكر من يتبع منهم حزبه، يجلسون كالتلاميذ على مقاعد تصف بطريقة دعائية ، في انتظار إطلالته عبر شاشة كبيرة ، ليبدأ الحفل بتلقي وجهة نظر ملالي قم وطهران في أحداث لبنان والمنطقة وما يجري فيها وما هو المطلوب بالضبط من هؤلاء الجالسين الخاشعة قلوبهم وجلودهم لذكر الولي الفقيه بلسان لبناني مبين .
ماذا قال نصر لله في خطابه الجمعة ، خلال تعليقه على أحداث المنطقة واستقالة الحريري ..
لقد قال ما قاله الإيرانيون استنساخا ، وللمزيد من التماهي ، فقد قال ما قاله خطيب الجمعة في طهران بالضبط ، ولنلاحظ أن ما يقوله خطيب جمعة طهران يقوله نصر الله بطريقة تناسب الوضع اللبناني الداخلي ، فإذا قال خطيب الجمعة ، وقد قال : " إن أعداء إيران لا يعرفون قوة إيران " نرى نصر الله بعده بساعات يقول ، وقد قال فعلا " على أعدائنا يتشاطروا ويهاجموا إيران لماذا نحن " وإذا قال الخطيب إياه " إن لبنان ليس لقمة سائغة لأحد ، وهكذا قال ، نرى نصر الله يقول بطريقة تناسب المقال : إن اللبنانيين أقوياء ولا ترهبهم التهديدات " وعليه قس بقية خطبة الجمعة التي يترجمها نصر الله من الفارسية للعربية على شكل خطاب سياسي ، هنالك من منبر مسجد ، وهنا من منبر دائرة تلفزيونية ، وهكذا هي مواقف الحزب التي لا يعلنها نصر الله إلا بعد أن يدلي الأيرانيون بدلوهم فيها حتى لو كان الموضوع يتعلق بابنة ترامب ، وسبق وحدث مثل هذا .
ما يعنينا في خطاب نصر الله ، أنه ردد نفس الأكاذيب الأيرانية ، ونفس المزاعم عن أن إيران لا تتدخل " مباشرة " في لبنان ، وهو تصريح غريب فعلا ، على اعتبار أن كل صغير وكبير وسياسي وغير سياسي ليس في لبنان وحسب ، بل في العالم كله ، يعلم بأن الذي يحكم لبنان يجلس في الضاحية الجنوبية تحت أمرة الحرس الثوري ، وأن الحزب سبق واحتل بيروت بقوة السلاح ، وأن نصر الله ليس سوى خادم مطيع وتلميذ نجيب وواجهة مفضوحة للولي الفقيه الذي لا تنفك أبواقه تتفاخر بأنه يحكم أربع عواصم عربية دفعة واحدة ، وإنه لا قرار في أي من هذه العواصم إلا بإرادة إيرانية ممهورة بخاتم خامنئي الخنصر .
حاول نصر الله الإيحاء بأنه رجل سلام وأنه حريص على لبنان واقتصاده وسلمه الأهلي ، ولاحظنا كيف أن إيران طالبته بأن لا يتبرأ من الحوثيين ، في لعبة الأدوار الخبيثة ، فاعترف بأنه يساعد هؤلاء ، بل إنه اعتبر بأن موقفه معهم هو موقف ديني سيسأل عنه يوم القيامة ، كما قال ، مما أوحى بأن الأيرانيين يريدون النأي بأنفسهم عن جميع الإتهامات وآخرها الصاروخ الذي أسقطته الدفاعات الجوية ، فأن يكون الأيرانيون هم من أطلقوه شيء ، وأن يكون قد أطلق بأيدي غيرهم شيء آخر في عرف السياسة والعلاقات والإلتزامات الدولية .
لم يقل نصر الله في خطابه شيئا ذا بال ، سوى جعجعة وكذب اعتدنا على سماعهما ، فلقد انكشف هذا المعمم وحزبه بعد حرب تموز بأقل من ست سنوات ، حينما عرته الثورة السورية وأظهرت عمالته الجازمة للإيرانيين بعد أن كان كثير من العرب يعلق صوره في بيوتهم .
كما سبق وقلنا ذات مقال : فإن الحرب السورية كانت هي " الكاشفة " لكل من هو مع الشعوب العربية ومن هو ضدها ، وها إن نصر الله يتباهى بسقوطه في الوحل الأيراني علانية وبدون مواربة ، وإذا بنا أمام حزب عربي للأسف ، ولكن أسلم قياده ودفته للفرس والصفويين الجدد ، حتى بات ذراعا قذرا لتنفيذ أجندة إيران على حساب العرب والسوريين البسطاء الكرماء المساكين وعلى حساب اليمنيين الفضلاء ، أهل الحكمة ، الذين أذاقتهم إيران على يد عملائها الحوثيين أصناف العذاب وألوان الثبور .
ويأتي بعد كل هذا من يدافع عن نصر الله وعن إيران ، وآخرهم للأسف موسى أبو مرزوق، القيادي الحمساوي الذي اعترف في تصريح أطلقه مؤخرا بأن علاقات حماس مع حزب الله لم تنقطع يوما حتى في أوج الثورة السورية ، وإن هذه العلاقات كانت تمارس بعيدا عن الأعلام ـ كما قال ..
نصر الله لم يعد مقنعا ولا مشوقا ، بل أصبح باهتا مملا مكرورا ، استنزفته إيران ووليها وستتخلص منه في الوقت المناسب الذي تعتقد فيه أن التخلص منه يخدم مصلحتها الإستراتيجية المبنية على الدعاية والقتل والتدمير والتشريد ونشر الخراب في مشارق الوطن العربي والأسلامي ومغاربه ، لأن إيران كانت ولا زالت أداة صهيونية غربية كما سبق وقلنا أكثر من مرة ، وإذا ما استنكر مستنكر هذا القول ، فإن عليه مراجعة حروب أمريكا في المنطقة : كيف أنها كانت تغطي جوا كل معارك الحشد الشعبي في العراق وفي سوريا ، بينما كان قاسم سليماني يقودها على الأرض .
يدرك كل من ألقى السمع وهو شهيد بأن نصر الله والمهندس والعامري والمالكي ومن لف لفهم ليسوا سوى عملاء صغار للولي الفقيه ، عالم الغيب الذي لا يُطلع على غيبه أحدا سوى خطيب الجمعة وأذنابه في سراديب الجهل والظلام سواء في لبنان أم في سوريا أم العراق أم في إيران نفسها .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز 2017-11-12