ما الذي تريده إسرائيل للبنان؟

تم نشره الأربعاء 29 تشرين الثّاني / نوفمبر 2017 01:23 صباحاً
ما الذي تريده إسرائيل للبنان؟
عريب الرنتاوي

يعيش اللبنانيون، المثقفون منهم على وجه الخصوص، تداعيات صدمة القبض على المخرج والممثل المسرحي المعروف زياد عيتاني بتهمة التخابر مع “الموساد” الإسرائيلي ... وبين مُصدق للخبر ومُكذب له، تمضي التحقيقات مع المتهم، وتتوالى اعترافاته، لتكشف جانباً من “مستور” النوايا الخبيئة والخبيثة للإسرائيليين حيال لبنان وأهله.

لا شيء مثير للدهشة في حكاية تجنيد العيتاني ... القصة باتت معروفة، فتاة جميلة تتواصل بك عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تطلب صداقتك وتحاورك في الشأن العام، وتسعى في “تخليق” مشتركات بينك وبينها، ولا بأس من ممارسات جنسية حميمة عبر أثير الفيسوك والمسانجر، تنتهي إلى ابتزازك بنشر “غسيلك الوسخ”، وإن كنت تورطت في البوح بما تعتقده معلومات حساسة عن جهات خاصة أو عامة، سيُستخدم ضدك ولابتزازك ... هذا ما حصل مع المخرج الشاب، المعروف في الأوساط الفنية والثقافية والسياسية.

لكن ما يثير الاهتمام حقاً في قصة العيتاني، أن “مشغلته”، الضابطة الحسناء في “الموساد” الإسرائيلي كوليت فيانفي، كلفت “الفنان” بالتقرب من شخصيتين لبنانيتين سنيتين معروفتين، ومن معسكرين مختلفين ... الأول، هو وزير الداخلية الحالي وأحد المقربين من الرئيس سعد الحريري، نهاد المشنوق، من خلال مدير مكتبه محمد بركات ... والثاني، هو الوزير السابق عبد الرحيم مراد، الناصري السابق، من خلال نجله حسن، الذي صادف أنه من معارف المخرج – المتهم.

لا أدري لماذا استعجلت الأجهزة الأمنية إلقاء القبض على العيتاني، وهو الذي كان على موعد مع الضابطة الإسرائيلية في لبنان بعد بضعة أيام، في فندق البستان الجميل، في بلدة برمانا الجبلية المذهلة، حيث كان بالإمكان ضبط “المُشغل” و”المشتغل به” بالجرم المشهود، بما يمثل جائزة كبرى للبنان وأجهزته الأمنية ... يبدو أن ثمة تفاصيل عديدة، لم نعرفها بعد عن مجريات التحقيق.

السؤال الذي يجد إجابته من دون بحث وكبير عناء، هو: لماذا تهتم إسرائيل بجميع بيانات تفصيلية عن مسؤوليين لبنانيين، ليسا مندرجين في قائمة أعدائها الألداء، وهما بكل تأكيد ليسا متورطين في أي أعمال “إرهابية” ضدها، ولا من يومياتهما، متابعة تجنيد وتدريب وتسليح وتمويل، خلايا المقاومة في الضفة والقدس وقطاع غزة وداخل الأخضر ... وإذا كان الوزير مراد من بيئة حزب الله السياسية، فإن الوزير المشنوق، من زعماء المعسكر المناهض لحزب الله البارزين.

التفسير الذي يُجمع اللبنانيون عليه، هو أن إسرائيل باستهدافها لهاتين الشخصيتين أو أي منهما، تسعى في إشعال الصراع المذهبي في لبنان ... وإعادة البلاد إلى مناخات “حرب الاغتيالات” التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 ... لو أن “المُشغلة” الحسناء، وصلت إلى بيروت، واستطلعت أهدافها، وأعطت أوامرها لفرق القتل والتنفيذ والاغتيال، لكان لبنان، غرق في بحر من الفوضى وحروب الاتهامات، ولكان انزلق إلى المستنقع الذي أُريد له أن ينزلق إليه، بعد حكاية الحريري  واستقالته .

تعلمنا هذه الواقعة، التي تتولاها أجهزة أمنية غير محسوبة على فريق حزب الله وجماعة 8 آذار، أن إسرائيل يمكن أن تتورط  في مسلسل اغتيالات، ويمكن أن تطيح بوجوه وزعامات وشخصيات، ليست من نادي “مقاوميها”، بل من خصومهم ... فكيف يجرؤ كثيرون على رفض التفكير بمسؤوليتها عن جرائم سابقة وقعت في لبنان، وكانت سبباً في انقسام أبنائه واصطراعهم، ووصولهم إلى حافة الحاوية منذ العام المشؤوم لاغتيال الحريري.

قد يتقبل كثيرٌ من اللبنانيين اليوم، فرضية أن إسرائيل تخطط لإذكاء الفتنة الطائفية والمذهبية في لبنان، في ضوء التحقيقات التي جرت مع زياد عيتاني، ولكن أغلب هؤلاء، ما كانوا ليصدقوا هذه الفرضية، أو حتى يستمعوا لهذه الرواية، لو أنها كشفت بعد اغتيال المشنوق ومراد – أمدّ الله في عمريهما – قبل الجريمة الرواية قابلة للتصديق، أما بعدها، فهيهات أن تجد من يصغي لها.

قديماً كنا نحمّل إسرائيل وزر أي جريمة من هذا النوع، باعتبار أنها صاحبة مصلحة، وأن ذراعها طويلة، ورغبة منّا في البحث عن “مشجب” نعلق عليه أخطاءها وخطايانا ... لكن السنوات العشر الأخيرة، شهدت بروز ظاهرة معاكسة تماماً: فأي اتهام لإسرائيل في حالات من هذا النوع، يقابل بالسخرية والتشكيك، وننسبه إلى من نرى فيه خصماً من أهل البيت أو الأشقاء والأصدقاء والجيران ... إن أنت قلت إن اسرائيل تدعم النصرة، قوبلت بالإدانة والاستهجان، وإن أنت أشرت إلى دور إسرائيلي في العراق أو سوريا أو لبنان أو في الانقسام الفلسطيني، قيل لك أنك تبحث عن مشجب، وأنك “تغمس خارج الصحن”... تصدمنا التحقيقات مع العيتاني وأمثاله كثر في لبنان على وجه الخصوص، من دون أن تعدل في أنماط تفكيرنا، أو تعيد توجيه بوصلتنا صوب الخطر الحقيقي والتهديد الماثل.

ميزة لبنان، ان لديه مساحة واسعة من الحرية، تسمح بنشر التحقيقات والكشف عن المعطيات أولاً بأول ... ما يجري في لبنان، يجري مثله وأضعافه في معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، ولكن بصمت ومن وراء أبواب موصدة ... لا نعرف عنها سوى القليل الأقل ... وربما لدى لبنان، أجهزة أمنية أكثر احترافية في الكشف عن شبكات التخابر والتجسس مما هي عليه الحال بالنسبة لدول عربية أخرى ... وربما لبنان مستهدف إسرائيلياً أكثر من غيره، لوجود حزب الله على أرضه ومن بين شعبه، وهو الكابوس الذي تحسب له إسرائيل ألف حساب، حتى وإن خرج علينا من يحاول إقناعنا، بأنه “أداة إسرائيل وذراعها”، طالما هو “أداة إيران وذراعها”.

الدستور 2017-11-29



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات