ترامب العربي
ازدادت المؤشرات والمعلومات المتداولة التي تتحدث عن ان الرئيس الاميركي دونالد ترامب سيطرح قريبا وربما خلال ايام اعلانا سياسيا تاريخيا سيشكل نقطة تحول تطلق اجراءات نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس؛ اي الاعتراف الرسمي بأن القدس عاصمة اسرائيل وهو ما يعد انقلابا على نهج الادارة الاميركية لعقود طويلة، التي طالما كانت تصر في عهود الديمقراطيين والجمهوريين على ضرورة تحديد مستقبل القدس عبر مفاوضات السلام.
يحدث ذلك في الوقت الذي يواجه الرئيس الأميركي الخلافي والاقل شعبية في تاريخ الادارة الاميركية المعاصرة مصيرا مجهولا واحتمالات تصعيد قضائي غير مسبوق ضده؛ في المقابل الإنجازات الوحيدة التي حققها خلال عامه الاول والتي يتعكز عليها في الداخل تعود في جانب كبير منها الى المنطقة العربية والى صفقات التسلح الضخمة التي عقدها خلال الاشهر الماضية والتي شملت معظم الفرقاء العرب، وصبت الزيت على ماكنة الصناعات العسكرية الاميركية وجعلتها تدور من جديد، ومن المعروف ان المجمع الصناعي العسكري الاميركي أحد أهم مفاتيح تنشيط الاقتصاد ويرتبط بسلسلة طويلة من القطاعات الاخرى علاوة على العقود الكبيرة التي وقعت مع شركات أميركية اخرى خلال هذا العام. والمفارقة ان هذه الصفقات شملت معظم اعضاء التحالفات الجديدة التي باتت تتشكل في المنطقة على خلافاتهم.
ترامب يتنفس ويعيش على الصراعات البينية التي اشعلت بعد زيارته الاولى للمنطقة في شهر ايار الماضي واللعب على اعادة تدوير مصادر التهديد في المنطقة بما يخدم هدف تحييد الصراع التاريخي بين العرب والاسرائيليين وتصفية القضية الفلسطينية. ولا يخجل من ان يغرد بطريقة بشعة في الاساءة الى نحو ربع سكان العالم من المسلمين وهو السلوك الذي لم يجرؤ عليه ليس فقط رئيس اميركي بل ولا اي زعيم آخر في العالم.
هناك تضارب في ارقام صفقات التسلح التي وقعت بين الولايات المتحدة ودول عربية خلال هذا العام، ولكن في المجمل تعد هذه الصفقات الاكبر في تاريخ صفقات التسلح في العالم، وإذا ما أضيفت اليها الصفقات الاخرى في مجالات النفط والطاقة ومجالات اخرى فإنها تتجاوز 400 مليار دولار وهي بالفعل الانجاز الذي يبقي ترامب وادارته على قيد الحياة.
من المعروف ان هناك قانونا اميركيا يعود تاريخه إلى العام 1995، يقضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ولكن كافة الرؤساء كانوا يلجأون الى تأجيل هذا القرار وربطه بمسار تطور العملية السلمية في المنطقة، فيما ذهبت الحملة الانتخابية للرئيس ترامب الى جعل تنفيذ هذا القرار احد ابرز مرتكزاتها.
هناك خشية من صدمة وغضب يجتاح العالم الاسلامي اذا ما اقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوة خارج اي تفاهمات سلمية، وهذا ما حدث في اكثر من قرار اميركي استراتيجي سابق بما فيها قرارات غزو واحتلال العراق حيث كانت منذ منتصف التسعينيات مطروحة على الطاولة الاميركية فيما يذهب صناع القرار الى انتظار ضوء اخضر من المنطقة حينما يريدون تغيير قواعد السياسة والقوة في الشرق الاوسط، والسؤال اليوم هل نضجت المنطقة بما يكفي، وهل رأوا هذا الضوء؛ وهو اسوأ ما قد ننتظره في هذا القرن.
الغد 2017-12-02