عندما يقول الفلسطينيون إنهم لا يستطيعون التوحد
انتقل الفلسطينيون من الحديث، قبل أسابيع، عن التوصل للمصحالة، إلى الحديث عن إنقاذ المصالحة، الآن. وأخطر ما يجري حالياً أنّ الفصيلين المتصارعين\ المتصالحين (فتح وحماس) يعلنان عملياً الافتقاد إلى "القوة الدافعة" للمصالحة والوحدة. وبالتالي يوجهون رسالة مفادها أنّ الفلسطينيين منشغلون بإدارة الصراع بينهم، وليسوا بصدد مشروع واسع لحركة تحرر وطني، لديها مبادراتها ومخططاتها، الدبلوماسية أو الميدانية المقاومة.
ما هي الرسالة الأكثر سوءاً من أن الفلسطينيين منقسمون، عاجزون، وغير راغبين بالتوصل لاتفاق؟.
أي معنى لهذه الرسالة أكثر خطورة من أنّه لا شيء له أثر يمكن للفلسطينيين أن يفعلوه. فهم عاجزون، منقسمون، يركضون خلف قضايا حياتية، ولا يستطيعون حسم أي خلاف داخلي، ويمكن بالتالي للعالم أن يتركهم وحدهم، لينهار كل شيء بَنوه سابقاً، ولتتلاشى قضيتهم، ويتلاشى القلق الذي تسببه قضيتهم عالمياً، حتى على مستويات مثل الأمم المتحدة.
هناك فكرة إشكالية تسمم العلاقة بين الطرفين. فبالنسبة لحركة "فتح" وللرئيس الفلسطيني، من يجب أن "يحكم" هو الحكومة الفلسطينية. ومنذ العام 2007، والرئيس محمود عباس، لا يوكل لحركة "فتح" مسؤولية قيادة الحكومات، وكلف شخصيات من خارج الحركة لتشكيل الحكومات، ويبدو أنّ الانطباع أو القرار عند "فتح" أنّ هذه الحكومة هي التي يجب تمكينها وهي التي تتولى الملفات المختلفة بدءاً من الأمن وحتى موضوع الموظفين، بحيث يكون الوضع الإداري في غزة شبيها بالضفة الغربية، ولا علاقة للفصائل بشيء سوى الموافقة على هذه الحكومات. أمّا "حماس" فلا ترى ذلك، وتعتقد أنّ هناك قضايا وخصوصاً الأمن والموظفين، تُعالَج بالتفاوض والتنسيق بين الفصائل، وبلجان عمل مشتركة. وقاد هذا للأزمة الراهنة، التي تفاقمت بعد قرار الحكومة دعوة الموظفين المستنكفين منذ العام 2007 للالتحاق بعملهم، وهو ما رفضته "حماس" وتعبّأت نقابة الموظفين التابعة لها في غزة، لإعلان العزم على منع هذه الخطوة بأي طريقة.
تدخلت مصر في الأيام الفائتة، لمنع انهيار المصالحة، واستضافت مندوبين عن الفصيلين، وبحسب صحيفة "الحياة" اللندنية، منحتهما القاهرة أسبوعاً (حتى 10 من الشهر الجاري)، للبدء بتنفيذ حقيقي وفعال لما جرى التوصل له من تفاهمات. والواقع أنّ الصيغة التي نقلتها الصحيفة عن الخطاب المصري الذي جرى توجيهه للطرفين بالغ الدلالات. فبحسب الصحيفة "أنّ القاهرة أبلغت الوفدين أن تجاوز هذا التاريخ والتلكؤ في المصالحة لن يخدم سوى أعداء الشعب الفلسطيني"، وهذه العبارة بالغة الدلالة فهي تخبر الفلسطينيين، بما يخدم مصلحتهم، وهم لا يعلمونه. وحذرت القاهرة الأطراف أنّها "ستكون مضطرة لإرجاء الحوارات والتفاهمات إلى أجل غير مسمى، وسوف تتخلى عن رعايتها للحوار إذا أصرت على وضع العراقيل". وهذه العبارة تتضمن إعلان ضيق الذرع بالأطراف الفلسطينية، التي تستنفد فرصها لحل مشكلاتها.
في حالة فشل الطرفين في تجاوز موقفيهما، فإنّهما يُضعفان نفسيهما دولياً وعربياً وفلسطينياً بشكل كبير. فأول الرسائل التي يوجهانها، هي أنّهما لا يحسنان العمل معاً، فكيف يتوقع أن يثق بهما المجتمع الدولي في تحرك إقليمي أو دولي، بما في ذلك في إطار عملية تسوية مع الإسرائيليين.
والرسالة الثانية هي أنّ المشكلات التي تعني الفلسطينيين هي المعيشية في أراضي السلطة، وعدم وجود توجه استراتيجي يتطلب عملاً فلسطينياً موحداً يمكن معه تهميش هذه القضايا لصالح القضايا الكبرى، وبالتالي من يعجز عن حل هذه القضايا الداخلية، سيعجز عن قيادة نضال أو مواجهات مع العدو الذي يحتل أرضه، وسيعجز عن القيام بتحرك دولي كبير. وهذ الرسالة سيستقبلها طرفان، الأول، على الصعيد الدولي والعربي، وسيؤدي هذا إلى تقليل القلق العالمي من عدم حل المسألة الفلسطينية، على اعتبار أنّ الطاقة الفلسطينية ضائعة في الانقسام الذاتي، ويمكن تأجيل موضوعهم، وتناسيه، ما داموا هم أنفسهم غير قادرين على العمل معاً وبشكل فاعل. والطرف الثاني الذي سيستقبل الرسالة، هو الشعب الفلسطيني، الذي بالعكس من الطرف الدولي سيزيد منسوب القلق لديه، من أنّ المنظومة السياسية الراهنة باتت لا تقدم أي أمل بالمستقبل، وإذا كانت شرائح فلسطينية سيزيد شعورها بالإحباط والعجز وعدم الجدوى، ستبحث شرائح أخرى عن بديل سياسي، وبعضها قد يلجأ لطرق "متطرفة".
الغد 2017-12-05