أوسلو والقدس .. ماذا تبقى لكم ؟
يتركز الحديث الآن على خطوة ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة ، اعترافا منه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل .
وبكل وضوح ، وكما تحدثنا بإسهاب في المقال السابق ، فإن هذا القرار الأرعن يعني تصفية القضية الفلسطينية ، وقتل أي أمل في نشوء دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران أو غيرها ، وإلغاء كل المواثيق والقرارات الدولية التي كانت تعتبر القدس أرضا محتلة ، وبالتالي ، فإن هذا يعني استحالة الوصول إلى أي اتفاق نهائي مع الفلسطينيين .
وإذا كان الأمر كذلك ، فماذا تبقى للفلسطينيين ، إذاما ركزنا حديثنا عنهم بصفتهم الخاصة ؟؟ .
ندرك بداية ، أن القدس ليست قضية فلسطينية فقط ، بل هي قضية عربية وإسلامية ، إلا أن الذين تورطوا بهذا الوضع الذي تعيشه الآن ، هم الفلسطينيون "الرسميون" الذين آمنوا بوهم السلام مع هذا الكيان ، وبالتالي تسللوا في الظلام لينجزوا اتفاق أوسلو الذي اعتقدوا بأنه سيأتي لهم بدولة مستقلة .
فما أن يذكر الوفد الفلسطيني في المفاوضات العلنية إلا ويذكر السياسي الغزي الراحل حيدر عبد الشافي عندما أوهمته القيادة الفلسطينية آنذاك بأنه ممثل للملف الفلسطيني ، ليتفاجأ بأنه كان مجرد أراجوز ، يفاوض في نيويورك تحت الأضواء ، بينما كان هناك اتفاق يجري توقيعه في أوسلو تحت جنح الظلام ، وهو ما أصابه بالصدمة ، ودفعه لاعتزال العمل السياسي قبل وفاته ، والمراد من هذه اللمحة التاريخية ، هو أن بعض قيادات منظمة التحرير هي التي ورطت الفلسطينيين بهذه الإتفاقية وبما آلت إليه الأوضاع الآن ، وآخرها تجرؤ ترامب على الجميع وإعلانه القدس عاصمة للكيان. .
أمام هذه الصفعة الأمريكية ، فإنه لم يعد أمام مهندسي أوسلو من الفلسطينيين من خلاص وتكفير عن الخطيئة التي ارتكبوها ، إلا إنجاز الوحدة الفلسطينية ضمن منظمة تحرير جديدة ، وحل هذه السلطة الفاشلة والمهترئة التي وضعت بيضها كله في سلة " الراعي " الأمريكي ، وترك هذه المنظمة الموعودة تقود العمل النضالي من جديد بدون "الأبوات" التاريخيين الذين كانوا سببا قي المصيبة ، من خلال انتفاضة عارمة لا تتوقف إلا بطرد الإحتلال من الأرض المحتلة ، وبغير ذلك ، فإن الأمر سيبدو وكأنه تواطؤ على الشعب والقضية ، والماء يكذب الغطاس كما ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهله .
وندرك أيضا ، بأننا سنشهد في الأيام القادمة محاولات لتمييع قرار ترامب ، من قبيل الإيحاء بأنه قرار دولة واحدة ، وأن ألعالم كله لا يعترف بهذه الخطوة ، وإن على الفلسطينيين أن يكونوا أكثر حنكة ولا بأس من رفض استقبال المبعوث الأمريكي - نسيب الرئيس المعتوه - ولكن مؤقتا ومن ثم استكمال مشوار المفاوضات .. إلخ .. وإذا فعلت السلطة ذلك ، فإنها ستتعرى أمام شعبها بدون ورقة توت ، أما إذا ألقت بأوسلو والتنسيق الأمني في الزبالة وتنحى رجالها بعيدا عن دبلوماسية الأمر الواقع العمياء والصماء ، وسلموا القيادة للشباب غير الملوثين وانغمسوا مع شعبهم في نضال جماهيري جماعي شامل ، فإن هذا بداية الطريق .
إن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يعني تهويدها بالكامل ، وتهويدها يعني هدم الأقصى والشروع العملي ببناء الهيكل المزعوم .
إنه لمن العار والشنار أن يقول أي فلسطيني بعد اليوم : إن الحل يكمن في طاولة المفاوضات بينما دماء الأقصى تنزف من جدران ربط عليها البراق ، وهي تعبق الآن أكثر من أي وقت مضى بأنفاس جبريل وميكال ومحمد الذي عرج من هناك إلى السماء حتى وصل سدرة المنتهى .
د.فطين البداد
جي بي سي نيوز 2017-12-10