هنا والآن... لنتوحد في الميدان

تم نشره الأحد 17 كانون الأوّل / ديسمبر 2017 02:03 صباحاً
هنا والآن... لنتوحد في الميدان
عريب الرنتاوي

في الأردن، كما في فلسطين، تتحول خلافات سياسية وعقائدية بين قوى سياسية واجتماعية مختلفة، إلى سبب يحول دون القيام بجهد وطني منسق وموحد، في مواجهة “تحدي ترامب”... وتحول مخاوف من عمليات “تجيير” أو “توظيف” دون إعمال منطق التنسيق والتعاون وتغليبه على هذه الحسابات والحساسيات، مع أن الشعوب وقواها الحيّة، تضع جانباً خلافاتها في أوقات الشدة والمنعطفات الكبرى، وتتوحد في الميدان.
ولقد مرت القوى السياسية، الأردنية والفلسطينية، على حد سواء، في ظروف مختلفة وأوقات متعاقبة، بتجارب تسمح على الاعتقاد بأن إمكانية تحقيق هذه “الآلية” ما زالت قائمة ... وهي بكل تأكيد أفضل من “آلية” أخرى، يجري اتباعها حالياً، ويمكن تسميتها: “السير منفردين والضرب في الاتجاه”. 
قضية القدس لا تحتمل التأجيل، وتحويل الهبة إلى انتفاضة، هدف يجب أن يتقدم على غيره من الأهداف والحسابات والحساسيات، بما فيها المخاوف التي يبديها البعض من إحجام السلطة وترددها عن دفع الأحداث بهذا الاتجاه، إذ حتى بفرض تردد السلطة وإحجامها، فإن تطوير الفعل الشعبي الغاضب، وتحويل إلى مقاومة شعبية سلمية واسعة النطاق، أمر يمكن حدوثه، بل وحتى فرضه على كل المترددين، أياً كانت مواقعهم وصفاتهم.
وثمة حاجة لـ”مأسسة الغضب” الفلسطيني، وتحويله من طاقة احتجاج عارمة، إلى أداة تغيير ورافعة تحوّل مهمة، تستنقذ البرنامج الوطني الفلسطيني مما آل إليه سواء بفعل التقدم الذي حققه المشروع الصهيوني على الأرض، أو جراء الانحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل، أو بفعل حالة التفكك والانقسام التي عاشتها الحركة الوطنية الفلسطينية.
ونعني بـ”مأسسة الغضب” إلى جانب ما ورد، تخليق وعي مؤسسي، يبدأ بالأحياء والشوارع والحارات، لإدارة الغضب والتحضير لإدامة الانتفاضة ... وللفلسطينيين في هذا المجال، تجارب رائدة في الانتفاضة الأولى ... يجب استحضارها بقوة، مثلما يجب الانتقال بسوية التنسيق ورفع مستواه، في سياق تطور الحدث ... المهم الانتصار في معركة الشارع، وكسر الرهان الإسرائيلي على “هدأته” بعد أيام قلائل.
ويتعين على العقل الفلسطيني، اليوم وقبل غدٍ، اجتراح الخطط والاستراتيجيات، التي تكفل من جهة تحويل الهبة إلى انتفاضة، وتضمن من جهة ثانية، إدامة الانتفاضة وديمومة الفعل الشعبي المقاوم، وتعمل من جهة ثالثة، على ألا يتعارض الهدفان معاً، مع الهدف الأسمى، والمتمثل في تعزيز صمود الفلسطيني على أرضه، وإدارة حياته اليومية وأمور معاشه، فنحن لا نتحدث عن انتفاضة يومين وأسبوعين، بل عن فعل جماهيري يتعين أن يمتد لسنوات.
والذين يخشون اليوم نجاح طرف منافس في “قطف الثمار” و”توظيف المشهد”، عليهم أن يدركوا أن الانتفاضة ستطلق ديناميكياتها، وأنها ستخرج قوى وتدخل أخرى، على مسرح السياسة والقيادة والفضاء العام، وأن من يثبت حضوره بين الناس وفي صفوفهم، وعلى خطوط التماس الأولى، هو الذي سيظفر في نهاية المطاف، وهو الذي سترفعه الجماهير المنتفضة إلى سدة قيادتها، حتى وإن الحال بخلاف ذلك اليوم.
وإنها فرصة للقوى اليسارية والديمقراطية بشكل خاص، لتتخطى المآلات البائسة التي آلت بيها، والخروج من شرنقة الحصار بين فكي “السلطة” و”حماس” ... هنا والآن، يمكن إعادة بعث هذا التيار من جديد، وتمكينه من التحول إلى قطب ثالث، بعد أن ضاعت هويته في لعبة الاستقطاب التي أجهزت على لونه وطعمه ورائحته، وأظهرته ملحقاً تابعاً لهذا الفريق أو ذاك.
هنا والآن، يمكن أن ينبثق القطب الثالث، الذي طالما اشتكى من غيابه النظام السياسي الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية، وأجيال من المناضلين المعارضين لعجز السلطة وترهلها، والرافضين لأصولية مكلفة، ثبت أنها أعجز عن قيادة شعب وشق مسار بديل عن مسار السلطة.
هنا والآن، يمكن أن تختبر كافة المحاولات التي بذلت منذ نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، لإطلاق موجة ديمقراطية تقدمية وطنية، بملامح خاصة، والتي باءت جميعها بالفشل ... وسط هذه المعمعة، يمكن للوعي أن يكتوي وللإرادة أن تنصقل والحراك أن ينطلق.
وعلى الرغم من الفوارق المعروفة بين السياقين الأردني والفلسطيني، إلا أن ثمة مشتركات تجعل العناصر العامة لهذه المقاربة/ الدعوة صالحة على ضفتي النهر الخالد، فمن يرفضون التنسيق خشية ابتلاع الرايات الخضراء لراياتهم الحمراء، عليهم أن يتذكروا أنها “أم المعارك” مع الاحتلال والاستعمار ... ومن يستمسكون بـ “عذريتهم” و”طهارتهم”، ولا يريدون المس بها من قبل أي فريق خارجهم، عليهم أن يتذكروا أن الحزب الجديد، أو التيار الجديد، لن ينبثق “خلف الحيطة”، بل في ساحات “المسجد الحسيني” و”راس العين” ومختلف شوارع وساحات القرى والبلدات والمدن والمخيمات الأردنية.

الدستور 2017-12-17



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات