لماذا يكرهوننا؟!
تسخر نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة الأميركية، في الامم المتحدة، من رد الفعل العربي والاسلامي، ازاء خطاب القدس، حين تقول، إن واشنطن توقعت سقوط السماء على الارض، عند اتخاذ القرار، وهذا لم يحدث، وهي هنا تتقصد امرين، اولهما، أن تقول إن القرار طبيعي، وثانيهما، أن تقول -ضمنيا- إن العرب والمسلمين، لا يفعلون شيئًا سوى الكلام.
قبلها وفي عام 1969 تم حرق الأقصى، ويومها قالت جولدا مائير رئيسة حكومة الاحتلال الاسرائيلي، انها تلك الليلة لم تنم، لانها افترضت ان العرب والمسلمين سوف يتدفقون الى فلسطين افواجا من كل صوب، وفي الصباح لم يحدث شيء من كل هذا، وكلام مائير يحمل المضمون نفسه، فنحن امام ردود فعل صوتية، وان العرب والمسلمين لا يفعلون شيئا سوى الكلام.
قضية القدس، وفلسطين، وكل القضايا الكبرى، لا تحل بالكلام، وعلى الرغم من ان التعبير عن الموقف الرسمي للدول، وموقف الشعوب، امر مهم جدا، ولا احد ينتقص من ردود الفعل، الا ان هذا العالم لا يفهم لغة الغضب، ثم الانصراف الى شؤوننا الخاصة، وقد شهدنا سابقا، في الانتفاضة الاولى، والثانية، وحرب العراق، وحروب لبنان، وغير ذلك من ظروف، الطريقة ذاتها في التعبير، لكن الطرف المقابل لم يتوقف، وهذا استنتاج محبط، لكنه الواقع.
لا يمكن وقف هذه الانهيارات المتتالية، الا بخطوات من نوع آخر، وللاسف الشديد، فإن النظام الرسمي العربي، منهك ومقيد وغير قادر، لاعتبارات كثيرة، كما ان شعوب المنطقة، تم انهاكها واتعابها بكل الوسائل، ويكفينا ما نراه اليوم في كل مكان من سوريا والعراق، الى غير ذلك من دول.
هذه الاشارة التي وردت على لسان هايلي، تحمل قدرا كبيرا من الاستهزاء والسخرية، من شعوب المنطقة، ودولها، وكأنها تقول إنهم «مجرد غثاء كغثاء السيل»، وهذا المشهد لا يلغي في الاساس مشروعية حق اهل المنطقة في فلسطين؛ لان الضعف والتهاون، لا يعنيان فقدان شرعية القضايا.
لم تتخذ اي اجراءات عملية ضد اسرائيل، ولا ضد الولايات المتحدة، لا على مستوى التمثيل الدبلوماسي، ولا على مستوى المصالح المالية، ولا اي شيء غير ذلك، وهذا يعني ان الكم الهائل من ردود الفعل الصوتية، على اهميتها، لاتغير شيئا في قرارات واشنطن، وغيرها من واشنطن.
سياسيا، فإن الموقف يبقى ممكنا، فإذا كانت الولايات الاميركية، واوروبا، يلمسان بشكل واضح، عدم اعتراض الدول على هذا القرار، ولا على كل مايفعله الاحتلال، باستثناء دول محدود، كان لها موقف واضح، فلماذا سيغضب هؤلاء، اذا كان اهل المنطقة ذاتهم، يديرون القضية بطريقة اعتيادية، تقف عند حدود المظاهرات والمسيرات والندوات واصدار البيانات، والكل يعرف ان هذه العواصم لديها خبراء، وتدرك ان كل هذا مجرد غضب تم انتاجه مرارا على مدى سبعين عاما، ولم يؤد الى شيء.
واقع الحال يقول للأسف، إن المراهنة اليوم هي على السوار الشعبي المحيط بالقدس، وعلى الفلسطينيين في الداخل، فهم الاقدر على ارباك كل الحسابات، وقد رأينا سابقا، كيف كان موقف اهل القدس، عند قصة اغلاق الاقصى، ووضع البوابات، وكيف ترك رد فعلهم الميداني والواقعي، اثرا كبيرا، ادى الى التراجع عن القرار، ونحن اليوم، لا نعيد تحميلهم فرادى هذه الاثقال، وكأننا نقول لهم، «هذه قضيتكم والحل عندكم» لكننا نقر هنا، أن الطرف المباشر الوحيد المشتبك مع الاحتلال، هم اهل فلسطين في الداخل، على ما فيهم من تعب وضنك وهموم وغموم، يحملونها منذ عقود.
يستثمرون في الاحقاد والكراهية وسرقة شعوب المنطقة، ثم يسألون: لماذا يكرهوننا؟!، والأرجح أن السؤال متغاب؛ لأن صاحبه يعرف الإجابة.
الدستور 2017-12-17