"فلسطين" في سيناء: أهي "صفقة القرن"..؟!
في بداية الشهر، نقلت صحيفة "جيروساليم بوست" عن صحيفة "المصري اليوم" أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ربما يتطلع إلى صفقة سلام إسرائيلية-فسطينية تتضمن أن تتخلى مصر عن أجزاء من صحراء سيناء لحساب دولة فلسطينية ناشئة. ويعتقد بعض المراقبين في المنطقة الآن أن هذه الخطة المسماة "غزة الكبرى"، قد تكون هي ما يسميه ترامب "صفقة القرن" لحل المسألة الفلسطينية، والتي تعكف عليها إدارته بقيادة جاريد كوشنر، وبمباركة حكومة الاحتلال وبعض الدول العربية المهمة.
تفاصيل المشروع كثيرة. وحسب "المصري اليوم"، سوف تتخلى مصر عن 720 كيلومتراً مربعاً في منطقة رفح والعريش، والتي ترتبط بقطاع غزة على طول البحر المتوسط، بما يزيد أراضي غزة ثلاثة أضعاف. وكان الكاتب جوناثان كوك قد ذكر في تقرير نشره في تموز (يوليو) الماضي أن "الإعلام الإسرائيلي أشار في العام 2014 إلى أن السيسي ربما يكون قد وافق على التنازل عن 1.600 كيلومتر في سيناء لغزة، مما يوسع مساحة الجيب خمسة أضعاف".
في المقابل، حسب "المصري اليوم"، سيَسمح الفلسطينيون للكيان بالاحتفاظ بنسبة 12 % من مساحة الضفة الغربية في المنطقة (ج). وستظل الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة في يد الاحتلال. وبالنسبة لمصر، سيمنحها كيان الاحتلال أرضاً في صحراء النقب كتعويض، كما سيُسمح لها بإنشاء نفق تحت البحر الأحمر يصلها بنقطة عند الحدود الأردنية السعودية، ربما فيه طريق بري وسكة حديدية. ويتحدث آخرون عن بناء مرافق نووية كتعويض لمصر لمساعدتها في حل مشكلة المياه والكهرباء الوشيكة. وستكون هذه وسائل تساعد الحكومة المصرية في تسويق التخلي عن أراض مصرية على الشعب المصري، بالإضافة إلى التبرير "الإنساني" باعتبار هذه الخطوة مساعدة للأشقاء الفلسطينيين في الأساس.
في تفاصيل أخرى، سيتم تزويد دولة "غزة/ سيناء" الوليدة بميناء بحري ومطار وبنية تحتية بتمويل دولي ومن الدول العربية الغنية. وستكون مجردة من السلاح وسيُسمح لملايين الفلسطينيين بـ"العودة" إليها بالإضافة إلى انتقال جزء كبير من سكان غزة. وسيتم توطين شريحة من اللاجئين الفلسطينيين في دول عربية. وبالنسبة للضفة الغربية، يقول البعض أن ما تبقى منها رُبما يُمنح حكماً ذاتياً محدوداً، ويقول آخرون أنه ربما يصبح تحت السيادة الأردنية.
يستشهد خبر "المصري اليوم" وكذلك تقرير جوناثان كوك بتصريح لوزير دولة الكيان وحليف نتنياهو أيوب كارا، الذي قال في شباط (فبراير) قبل زيارة نتنياهو لواشنطن، إن الزعيمين سوف "يتبنيان خطة الرئيس المصري، السيسي. دولة فلسطينية في غزة وسيناء". كما استشهد كوك بما قاله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اجتماع لأنصار فتح في العام 2014، من أن "مسؤولاً كبيراً في مصر" قال له: "يجب إيجاد ملاذ للفلسطينيين، ولدينا كل هذه الأرض المفتوحة". وهناك إشارات أخرى تتعقبها مختلف التقارير.
ربما يكون هذا التصور لـ"حلّ" المسألة الفلسطينية أكثر ملاءمة لأن يوصف بـ"صفقة القرن". ففي نهاية المطاف، لن يكون هناك شيء جديد كثيراً في مجرد تطبيق "حل الدولتين" بإقامة دولة فلسطينية في غزة وما تبقى من الضفة، ليكون مذهلاً وصفقة هائلة. أما شراء دولة للفلسطينيين في المنفى ومنح فلسطين التاريخية نهائياً للاحتلال مع إنهاء المطالبات الوطنية الفلسطينية بالوطن التاريخي، فستكون ترتيباً غير عادي، وسوف يغير قطعاً وجه الإقليم إلى الأبد.
بعض المحللين يربطون "السماح" للمنظمات الإرهابية المتطرفة بالعمل في شمال سيناء بخطة لتنفير المصريين من المنطقة باعتبارها عبئاً وغير قابلة للحكم ويحسن التخلص منها. والبعض يرى أن خنق غزة وإضعاف حماس التي تحكمها سيعني أن تكون دولة "غزة/ سيناء" خياراً مغرياً للتخلص من الاكتظاظ والحصار، وحكم قطعة أرض كبيرة، بالإضافة إلى أن القبول "سيعيد تأهيل الحركة الإسلامية في أعين المجتمع الدولي"، كما يقول كوك. كما يُستشهد بالتوجهات العربية الجديدة للتحالف مع الكيان وأميركا، والتخلص من القضية الفلسطينية.
إذا كان هذا هو ما يُرتَّب للفلسطينيين، فإن قرار ترامب الأخير بشأن القدس ربما كان مجرد بالون اختبار صغير لقياس ردة الفعل. وسيكون اقتراح فلسطين في سيناء، إذا كان صحيحاً وله أي فرصة للتحقيق، كارثة أبدية للفلسطينيين ولبقايا الإنسانية في العالَم. وستكون معركة أخرى وجودية أكثر ضراوة قد فُرضت على الفلسطينيين.
الغد 2017-12-21