خيانة العالم
الطريقة التي أدارت بها الولايات المتحدة الحراك الدولي في الامم المتحدة عقب قرار الرئيس دونالد ترامب بنقل سفارة بلاده إلى القدس، تقود إلى إدراكات متناقضة وفوضى في المفاهيم سواء في الموقف في مجلس الامن حينما تحدّت الولايات المتحدة إرادة المجتمع الدولي وطبقت شريعة الغاب بمفهومها القادم من القرون الوسطى الغربية بل وصفعت العالم بصفعة عنوانها موتوا غيظا أو في سلوكها قبل وبعد الذهاب إلى الجمعية العامة وما تخلل ذلك من تهديدات ووعيد فيه الكثير من العنجهية ومن الصبيانية ايضا.
لقد سبق أن تكلمت الولايات المتحدة كثيرا لغة قديمة في سلوكها الدولي خلال العقود السبعة الماضية؛ لغة الاستعلاء والجبر السياسي وهي إرث حقبة الحرب الباردة وقبلها حقب الاستعمار الغربي، لكن لم تكن السياسة الخارجية الأميركية في يوم مستفزة ونزقة مثلما حدث في الجمعية العامة للامم المتحدة وفي سلوكها نحو اسرائيل تحديدا، على الرغم من أن لا الجمعية ولا مجلس الامن لهما وزن سياسي فعلي أو لقراراتهما قوة على النفاذ، اليوم تأخذ هذه السياسة الولايات المتحدة إلى حالة من العزلة الدولية، حتى الحلفاء الكبار باتوا يتخذون مسافة واضحة منها، في الوقت الذي تدّعي أن العالم يخونها وسوف تعاقب وتمنع وتوقف! يجد حلفاء الولايات المتحدة الكبار قبل الصغار بأن الحليف الاكبر هو من يخونهم ليس بالقيم والمبادئ وحسب بل وفي تهديد مصالحهم وعدم الرغبة في الإصغاء لأولوياتهم وللطريقة التي يرون فيها العالم.
سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي، الهندية الاصل والمرشحة القادمة لوزارة الخارجية، اصبحت حديث العالم في الساعات والأيام الاخيرة بعدما صارت هي ورئيسها في البيت الابيض اكثر تطرفا في دعم اليمين الاسرائيلي من الكنيست والمؤسسات الاسرائيلية والصهيونية نفسها، ثمة تماهٍ غير مسبوق في اجندة النخبة الحاكمة في واشنطن مع اليمين المتطرف الاسرائيلي، وفي حين تتفوق بل وتسبق اليمين الاسرائيلي نفسه، فالحاخام اليهودي لما يسمى (حائط المبكى) هو الذي رفض طلب نائب الرئيس الاميركي بنس بعقد مؤتمر صحفي في ساحة البراق. إن النخبة الجديدة في واشنطن اليوم اكثر صهيونية من الصهاينة انفسهم.
لن تطول لهجة التهديد والوعيد الاميركية ولن يصغي الكثيرون لها، في الوقت الذي ستزداد عزلة الادارة الاميركية في العديد من جهات العالم، ومن المتوقع أن تتراجع قوة نظرية الجزر في خريطة التحالفات وسط أزمات الموارد القاسية التي تضرب كافة الاطراف، في المقابل قد تكثر العصي والابتزاز الجشع وتزداد التدخلات الاقليمية وبعضها قد يولد أشكالا جديدة من الصراعات تكون مقدمة لصراعات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين في المنطقة وهي صراعات من المتوقع انها ستنقل المنطقة من صراعات الطوائف والاديان والقيم السياسية إلى صراعات الموارد والاستحواذ والبقاء.
في مقابل اتهامات الخيانة المتبادلة، يزداد الادراك في العالم الديمقراطي وفي وسط النخب الاميركية ذاتها لنمط جديد من المسؤولية والشعور بضرورة عدم الاكتفاء بمراقبة ما يحدث في البيت الابيض، ثمة إدراك متنامٍ لعدمية ما يقوم به الرئيس الخامس والاربعون من فوضى وهستريا سياسية، ويبرز ذلك في تراجع شعبية الرئيس بشكل غير مسبوق فيما لم يبقَ له من انصار سوى المتطرفين وجماعات الهوس الديني وعصابات القتل مع عودة قوية للنزعة اليمينية المتطرفة للبيض ونمو عصابات القتل في المدارس والجامعات والشوارع.
الغد 2017-12-23