أعدني طفلاً يضفِّر شعر الشمس
ما زلت أهاب سيرة الغول، وأمقت لؤم الضبع وخبثها، وما زلت أرتعد من حقد الحية، التي تبلع كبشا بقرنين عظيمين، وما زلت أندغم حد الهوس بحكايات الشاطر حسن وبطولات الزير سالم ودم كليب الذي لم يجف.
وما زلت أتجنب النوم بجواربي؛ خوفاً على ما تبقى من بصري، فطالما خوفتني جدتي من أن الجوارب تضرب على عرق البصر، ورغم أني تدرعت بمطعوم الجزر منذ خشونة أظفاري؛ إلا أنني صرت أمشي بعكازات للعينين.
وما زلت أخشى مواجهة المرايا ليلاً؛ فهي بوابات للشياطين الزرق، حسب ما كانت ترعبنا الجدات والأمهات لننام على خوف مكبلي الأحلام خامدي الأمنيات.
أحلامنا لم تكن سوى كوابيس بدبابيس جراء ذلك التخويف، ولهذا كانت وما زالت تفرحني فكرة بابا نويل الرجل الطيب بلحيته الشاسعة، الذي يأتي على زلاجات تقودها غزالات رشيقة، تجوب قطن السماء وعبابها، ليباغت الأولاد النيام في فراديس أحلامهم.
يدخل بابا نويل من مدخنة البيت الضيقة، ويترك هداياه الملفوفة بورق يلمع فوق رؤوسهم، فإذا ما أفاقوا ومسحوا النوم عن عيونهم، وجدوا ما يفرحهم بعيدهم، فبفكرة بابا نويل يستطيع خيال الصغار إذا ما كبروا وتحجمت أحلامهم أن يهضم هذا العالم العسير.
فيا رجل الثلج والأمنيات عندما كنّا صغاراً، كانت الدنيا كبيرة في عيوننا، أكبر من كيسك الأحمر وأكبر من رغيف جوعنا، فلماذا ضاقت بنا وضاقت علينا، حتى صارت أضيق من ثقب رصاصة برأس شهيد؟ فما أتعسنا إذ نكبر، ونكف عن نسج الأمنيات.
فيا أيها الصديق لا أريد لعبة تضرب طبلاً أحمق، ولا أريد كرة من المطاط، بل أريد أن تنقشع سحب الحروب القاتمة عن شمسنا، وتذوب في بحر الملح، كي لا يجرؤ أشرار الأرض ويزدردونها مرةً أخرى، فيتناسلون حروباً تحيل أحلامنا كوابيس سوداء، ونريد وطناً فيه الفراشات يتحلقن وهج القنديل ويمتن بسعادة كميلاد طفل: نريد وطناً لا نشعر به بالجوع، حتى لو نمص بنان أصابعنا.
يا بابا نويل كنّا أولاداً طيبين لا يعصون لآبائهم أمراً، ننام أبكر من دجاج المزارع، ولا نلطخ ثيابنا بالشوكولاته، لأننا لم نأكلها أصلاً، ولم نعرفها يوما، وكنا طيعين كمعجون الأسنان!؛ فحاول أن تزورنا في هذا اليوم، وتدخل من مدخنة بيوتنا الباردة؛ كي تجلب عكاكيزاً لأحلامنا الكسيحة.
بابا نويل، إني أنتظرك منذ حزنين؛ فأعدني طفلاً يضفِّر شعر الشمس، فإذا ما نادته أمه تظاهر بالموت!؛ فتوقظه دودة القزُّ ليطير بأجنحة الحرير!.
الدستور 2017-12-24