الأونروا في مرمى النيران الأمريكية
بعد توقيعه على قانون الضريبة الجديد الذي تضمن تخفيضات تقارب التريليون دولار على الاثرياء في امريكا، اجاب ترمب عن اسئلة الصحفيين ومن ضمنها السؤال عن البنية التحتية المتهالكة، فكانت الاجابة المباشرة «انه موضوع سهل ولكن الموضوع الصعب كان إقرار قانون الضريبة الجديد من الكونغرس التي اعطيتها اولوية وسننتقل بعد ذلك للموضوع السهل البنية التحتية كما وعدت».
الكيفية التي اقترحها ترمب لمعالجة البنية التحتية المتهالكة عرضها في حملته الانتخابية بتحويل المساعدات والاموال المخصصة للبرامج الخارجية باتجاه دعم البنية التحتية وتجديدها، المقترح ذاته الذي عاد ترمب فقدمه للصحفيين في اعقاب حادثة قطار اولمبيا عاصمة ولاية واشنطن؛ فالظروف اصبحت ناضجة للبدء باتخاذ اجراءات عملية من قبل إدارته لتفعيل وعوده الانتخابية المتعلقة بخفض المساعدات خصوصا انها ارتبطت لأجل الصدفة بتهديدات نيكي هيلي في الامم المتحدة للدول التي ستصوت ضد قرار امريكا القاضي بنقل سفارتها الى القدس.
يضع هذا القرار كافة الدول التي تتلقى المساعدات الامريكية في مرمى النيران الا ان الاونروا تعد اكثر الاهداف وضوحا للادارة الامريكية فهي الداعم الاول للمنظمة الدولية، خصوصا ان هناك تسريبات بأن امريكا ستتخذ حزمة من الاجراءات ضد الفلسطينيين على رأسها الاعتراف بالكتل الاستيطانية في القدس والغاء حق اللاجئين الفلسطينيين؛ فأمريكا ستذهب بعيدا اكثر في سياساتها معززة بتوجهات انعزالية ومتطرفة تعكس واقع الصراع القائم في امريكا وتحوله بضربة قلم الى ازمة دولية مع حلفائها واصدقائها واعدائها، مشبعة شهوة اليمين الامريكي على الصعيد الداخلي والخارجي، ومسددة ضربة لمعارضي ترمب بطريقة تعجزهم عن الحركة؛ فالرأي العام الامريكي يرى في البنية التحتية اولوية كبرى بالنسبة له تفوق في أهميتها الملفات الخارجية والقوة الناعمة لأمريكا.
القرارات الامريكية متساوقة مع توجه عام نحو العزلة والاعتماد على القوة في التعبير عن النفوذ بحسب الادارة الحالية؛ اذ انسحبت امريكا من الميثاق العالمي للامم المتحدة للهجرة واللاجئين قبل بضعة اسابيع، وهي بذلك تتساوق بالكامل مع التوجهات اليمينية الانعزالية للرئيس، بل تضعها في سياق اممي، فأمريكا عمليا تنسحب من كل مواقع التأثير والفعل، مخلية الساحة لقوى تعتقد جازمة بأنه من الصعب ملؤها من قبل قوى منافسة، وهي بذلك تعلن عن سياسة جديدة تستند الى موازين القوة العسكرية لا موازين القوة الناعمة في التأثير دون اي اعتبار لحلفائها وأصدقائها.
ورغم قدرة امريكا الهائلة على تمرير قرارات ترمب في المرحلة الحالية، الا ان المعادلة التي ستتشكل لن تفضي الا الى مزيد من المقاومة للسياسة الامريكية وسترفع الكلف بشكل يفوق المبالغ الزهيدة التي كانت تقدمها امريكا للحفاظ على نفوذها وتأثيرها، وهي القراءة التي تعجز إدارة ترمب عن التوصل اليها بتأثير من ازمتها الداخلية وبتأثير من نزعتها الايدولوجية واخيرا بتأثير من غطرسة القوة.
الاونروا ستصبح قريبا في مرمى نيران امريكا، وقضية اللاجئين الفلسطينيين ستصبح هدفا مباشرا للادارة الامريكية؛ امر سيقلب رأس الهرم في الاستراتيجية الامريكية ويحولها الى اشتباك واسع يقود حتما الى مزيد من العزلة لأمريكا التي ستواجه بمزيد من المقاومة في الساحة الدولية على عكس ما تعتقد ادارة ترمب.
ادارة لا زالت تتحرك بتأثير من الحسابات الداخلية ونزعة الثأر الشخصية للرئيس في التعاطي مع الملفات الدولية؛ لذلك فإن الاونروا على الارجح ستكون اولى ضحايا تجديد البنية التحيتة الامريكية، ولكنها لن تكون الاخيرة في سلسلة طويلة من الاجراءات الفوضوية للادارة الامريكية.
السبيل 2017-12-24