دبلوماسية مرهقة
تتسارع المؤشرات حول العلاقة مابين الاردن والمحور الايراني-السوري، بما يعنيه ذلك في المحصلة، من نتائج وتداعيات؛ لكن السؤال المطروح حقا، هل هذه مؤشرات جذرية، ام انها مجرد رسائل وبرقيات لاعتبارات كثيرة، اضافة الى كونها مسارب احتياط يتم فتحها منذ هذه الايام؟.
علينا ان نلاحظ ان مجلس النواب، سواء على مستوى الرئاسة، او على مستوى عدد من النواب، يبرقون برسائل متتالية، في هذا التوقيت بالذات، الذي يمكن فيه وصف العلاقة الاردنية مع واشنطن، ومع عواصم عدة، بالعلاقة الخاضعة لتغيرات جزئية، وليست كلية.
لاتوجد تحركات على مستوى رسمي اردني، بمعنى المؤسسات الرسمية التي تمثل الدولة بالمعنى السياسي؛ لكن هذه التحركات تأتي عبر بوابات بديلة، لها صلة بالتمثيل الشعبي، ورئيس مجلس النواب الذي استقبل القائم بالاعمال السوري، والسفير الايراني ايضا، يمهد لتليين العلاقات مع هذه الاطراف.
مجلس النواب سوف يشارك في مؤتمر برلماني في ايران، كما ان ذات رئاسة المجلس سبق ان زارت ايران والتقت الرئيس الايراني حسن روحاني، والذي يحلل برقيات السوريين والايرانيين، من جهة اخرى، بحق الاردن، يجد فيها، تليينا كبيرا بحق الاردن، في هذه الظروف الحساسة جدا، على المستوى الاقتصادي والسياسي، وعلى مستوى ملف القدس حصرا، لكنها تحركات لا تخلو ايضا، من استثمار للحظة الصعبة التي يواجهها الاردن في الاقليم.
الاردن في الوقت ذاته، على صلة ايجابية بالروس، والتنسيق بخصوص الملف السوري، كان كبيرا، والكل يدرك حجم التأثير الروسي، على الايرانيين والسوريين؛ ما يجعل الاردن من جهة اخرى، على صلة بأي انقلابات سياسية في المنطقة بخصوص بعض الملفات، وهذا يعني انه في الاساس، لديه اوراق احتياط، على مستوى علاقات الاقليم والعالم.
لكن علينا ان لانستعجل بقراءة هذه التحولات، فهي لاتعني تحولا جذريا في علاقة الدولة الاردنية، بالمحور الايراني- السوري، وهناك عدة اسباب، اذ ان العلاقة مع الايرانيين كانت متوترة اساسا وعلى مدى عقود، ومنذ عام 1979، وهذا التوتر تواصل على مدى عقود، ولم يكن نتيجة التدخل الايراني في سوريا، او حتى اقتراب حزب الله من الحدود الاردنية- السورية، وغير ذلك من عوامل، فيما العلاقة الاردنية السورية، كانت تاريخيا، علاقة شبه باردة، وفي احسن ظروفها، كانت علاقات لا تخلو من شكوك وهواجس بين الطرفين، ولربما زادت فوضى الربيع العربي، من الازمة في علاقات البلدين، لكنها بالتأكيد- اي الفوضى- لم تكن صانعة وحيدة لهذه الازمة في العلاقات.
كل هذا يعني بشكل او آخر، ان الاقتراب من المحور الايراني - السوري، ليس بهذه البساطة التي يظنها كثيرون، فالاردن من جهة اخرى، على صلة بتحالفات وعلاقات، لاتسمح له كثيرا بالانتقال كليا او جزئيا الى محور اخر، اضافة الى ان هذه المؤشرات الاردنية بحق هذا المحور، تأتي لاعتبارات التحسب من التغيرات في المنطقة، ومن باب فتح مسارب احتياطية، يبدو ارتدادها الاساس على مستوى الملف السوري، حصرا، وليس بقية الملفات، اضافة الى وجود حالة جديدة في المنطقة، يريد الاردن، ان يخفف من تأثيراتها عليه، قدر الامكان، وبهذا المعنى يبدو الاقتراب وظيفيا، وليس جذريا، وهذا امر مفهوم في السياسة.
علينا ان نلاحظ ان الاردن حتى الان، يترك لهذه المؤشرات ان تنساب عبر وسائل يمكن له التنصل من كلفتها النهائية لاحقا، باعتبارها لاتمثل الدولة سياسيا، بقدر كونها ذات سمات برلمانية-شعبية، والا لماذا لايرسل الاردن سفيره المسحوب من طهران، ويعيده الى عمله، لو كان التغير جذريا في العلاقات، وهذا يعني ان عمان، مازالت في خانة التحوط، ولا تريد المجازفة كليا، بالاندفاع نحو معكسر جديد، ولو تحت ضغط اللحظة، وتعقيدات معادلات المنطقة.
هذه تواقيت فاصلة في المنطقة، والمشكلة الكبرى اليوم، ان المنطقة، تغفو على تحالفات، وتصحو بعد ليلة واحدة على تحالفات جديدة، وقد تتغير مرة ثانية، في الليلة اللاحقة، وكل هذا يعني ان ليس بالامكان هذه الايام، اعتماد معيار محدد، سوى مواصلة التغير والانسياب يوميا، مع مايستجد، حتى يتم حسم كثير من الملفات، وهذه بحق دبلوماسية مرهقة، ومتعبة للاردن، وربما لكل اطراف المنطقة.
الدستور 2017-12-25