قراءة في استراتيجية ترامب الشرق أوسطية
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الفائت، بدرجة حماس أعلى من سلفيه جورج بوش (2001 - 2009)، وباراك أوباما (2009 - 2017)، وفي وقت أبكر نسبيَاً، مما تقدموا به، باستراتيجيتهم للأمن القومي. فعادة كانوا يقدمون استراتيجيتهم بعد 12 شهرا من ولايتهم، واختصر هو شهرا من ذلك. وفي الشق الخاص بالشرق الأوسط، فإنّ أهم ما قام به ترامب في هذه الاستراتيجية، إعلان الأولويات الأميركية الحقيقية، وبالتالي جاء الموضوع الفلسطيني – الإسرائيلي في ذيل الأولويات. أمّا وسيلة العمل المُثلى فكانت متواضعة، وهي تقوية الدول الحليفة، والاعتماد على القوات الأميركية في المنطقة، بدون العمل على تغيير حقيقي في خريطة المنطقة السياسية والاجتماعية، والملاحظ أنّه جرى تجاهل حضور قوى في المنطقة، مثل الروس.
حرص ترامب أن يؤكد رفضه سياسة جورج بوش التي تبنت أفكار نشر الديمقراطية وتغيير الأنظمة وسيلةً للحفاظ على المصالح الأميركية في الشرق الأوسط، ورفض أيضاً سياسة عدم التدخل التي تبنتها إدارة أوباما.
رتّب ترامب الأولويات والتحديات الأميركية في المنطقة، بأنّها: التوسّع الإيراني، وانهيار الدول، والايديولوجيا الجهادية، والتأزّم الاجتماعي – الاقتصادي، و"التنافس الإقليمي" الذي يهز المنطقة. ولم تذكر الاستراتيجية الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، عند تعداد التحديات، وذكرته في سياق نفي أهميّة الموضوع. إذ قالت الاستراتيجية، "على مدى أجيال جرى فهم الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين على أنّه التوتر الذي يمنع السلام والازدهار في المنطقة. أمّا اليوم فإنّ تهديدات المنظمات الجهادية الإرهابية وتهديدات إيران أوجدت إدراكاً أنّ إسرائيل ليست سبب مشاكل المنطقة. وتجد الدول بشكل متزايد مصالح مشتركة مع إسرائيل في مواجهة التهديدات المشتركة".
بناء على ذلك فإنّ أولويات الولايات المتحدة، هي "تعزيز الأمن عبر الاستقرار"، واعتبر أنّ تشجيع الإصلاح التدريجي سيكون "متى أمكن ذلك"، بمعنى أنّه لن يطالب أحداً بالإصلاح. ولكنه قال إنّه سيدعم جهود "مواجهة إيديولوجيات العنف، وزيادة احترام الأفراد"، ومن هنا فهو يتبنى تصور أنّ العنف ليس مشكلة كامنة في وجود الاحتلال الإسرائيلي، أو في تركيبة الأنظمة السياسية، كما رأى بوش، بل رآه قضية فكرية تُحل على مستوى الأفراد. ولم يذكر في موضوع سورية أي تغيير للنظام السياسي، واختزل الهدف باللاجئين، "تسوية للصراع المدني هناك بما يوفر الشروط لعودة اللاجئين وبناء حياتهم بأمان". والملاحظ أنّ ترامب تجاهل أيضاً التواجدين الإيراني والروسي في سورية. وحتى بالنسبة للعراق، تحدث عن استمرار التحالف مع "العراق المستقل" دون إشارة للنفوذ الإيراني هناك. وذكر في ذيل الأولويات "سنبقى ملتزمين بالمساعدة على تسهيل اتفاق سلام شامل مقبول من قبل كل من الفلسطينيين والإسرائيليين". واختفت أي تعبيرات صاخبة استخدمت في الأشهر الأخيرة، من مثل "الصفقة النهائية"، أو ما يحلو للبعض تسميته "صفقة القرن".
في الاقتصاد جرى الحديث عن دعم الإصلاح ودعم اقتصاد السوق المفتوح، دون تفاصيل.
ما مضى يوضّح أنّه عملياً لا يوجد خطط سياسية أو اقتصادية لحفز تغيير في المنطقة، وهناك تشجيع لتحالف بين دول في المنطقة وإسرائيل، ويؤكد الشق العسكري في الاستراتيجية، هدف الحفاظ على الوضع الراهن، "سنحتفظ بالحضور العسكري الأميركي الضروري في المنطقة لحماية الولايات المتحدة وحلفائنا من الهجمات الإرهابية وللحفاظ على توازن قوى مريح"، وذكر مواجهة المشروع النووي الإيراني. وحدد الدعم الذي ستقدمه الولايات المتحدة، بأنّها "مساعدة شركائنا في تقوية مؤسساتهم وقدراتهم، بما في ذلك أجهزة إنفاذ القانون، للقيام بجهود مكافحة الإرهاب ومكافحة التمرد"، ووعد بالمساعدة بتوفير أنظمة دفاع صاروخية للدول الحليفة للتصدي للتهديدات الصاروخية المضادة، والعمل مع الشركاء لتحييد نشاطات إيران في المنطقة.
رغم قوله إنّه يرفض سياسة عدم التدخل التي قام بها أوباما، فيبدو أنّه في ملفات عدة أقل اهتماماً ببذل أي جهد، وأقل تدخلّية، خصوصاً في مجال الإصلاح السياسي والاجتماعي، والموضوع السوري، والتدخل الروسي. ويريد بشكل أو بآخر الحفاظ على مصالح ثنائية أميركية في المنطقة، قصيرة المدى، وترويج عدم أهمية الموضوع الفلسطيني وأنّه على الفلسطينيين الاستسلام للأمر الواقع، وأنّ حل مشاكل المنطقة الأمنية يكون بإدماج إسرائيل فيها. وهذه كلها وصفة من لا يريد العمل، ويدفن رأسه بالرمال فلا يرى أزمات المنطقة وما تحتاجه من حلول.
الغد 2017-12-26