2018 والرهانات الأردنية
ننهي العام الحالي على وقع مناقشة مجلس النواب قانون الموازنة للعام 2018، بعد أن أقرّته اللجنة المالية، ويتضمن في فرضياته رفع الدعم عن الخبز، وعلى معدل ناتج محلي إجمالي متواضع، وهو رقم واقعي (كما يرى مراقبون)، لكنّه يؤشّر على سقف توقعات منخفض جداً تجاه تحريك العجلة الاقتصادية.
الأردن أمام عام صعب اقتصادياً ومالياً قادم، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار مسألتين مهمتين للغاية؛ المسألة الأولى أنّ صندوق النقد الدولي لا يوافق على ما اتخذته الحكومة من إجراءات حتى الآن، ويطالبها بتعديل قانون ضريبة الدخل بتوسيع قاعدة من يدفعونها (لتصل 500 دينار للفرد، و1000 دينار للأسرة)، بل وتشير مصادر حكومية أنّ الصندوق متعنّت تماماً في مطلبه هذا. أمّا المسألة الثانية التي ما تزال في طور التكهنات والتخمين فهي ترتبط بتهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بوقف المساعدات عن الدول التي صوّتت على قرار الجمعية العام للأمم المتحدة بخصوص رفض القرارات الأحادية في القدس (بمعنى ضد قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل)، وإذا كان إقرار المساعدات قد مرّ بمراحل رئيسة (لهذا العام على الأقل)، ومن المستبعد أن يكون هنالك وقف كامل لها، إلاّ أنّه في الوقت نفسه من المتوقع أن يكون هنالك "ابتزاز" من الإدارة واللوبي الصهيوني المحيط فيها للأردن، للحدّ من نشاطه الديبلوماسي ضد هذا القرار، بل ربما باتجاه – أيضاً- تخفيف شروطه في ملف "السفارة الإسرائيلية" في عمّان.
ما المخرج من هذا الوضع "الصعب" و"المعقّد"؟..
تتجه أغلب اهتمامات النخب الأردنية إلى نافذتين تساعدان على تجاوز المنعرج الراهن، بل ربما تجعلان من الظروف الحالية الصعبة فرصة مهمة للمضي نحو الأمام، بدلاً من الاكتفاء بالتذمّر والغضب من وقوعنا في هذا "المأزق" الاستراتيجي الكبير!
النافذة الأولى، التي يتحدث عنها الجميع، تتمثّل بالجبهة الداخلية، لأنّ الخطر الحقيقي، أيّاً كانت التحديات والتهديدات الخارجية، يأتي من الداخل (كما أثبتت أحداث الربيع العربي)، والرهان هنا على الأردنيين بأن يصمدوا في مواجهة الأوضاع المالية والاقتصادية الصعبة، لكنّ صمودهم المطلوب من الضروري أن يرتبط بخطوات جديّة فاعلة من قبل الحكومة، على صعيدين؛
الصعيد الأول هو أن تكون الإجراءات المالية الحالية المرتبطة بسياسات الدعم، مصحوبة ببرنامج إصلاحي متكامل، وبخطة عمل حقيقية، وإجراءات واقعية، تشمل مكافحة الفساد الإداري ومعالجة مشكلات التهرب الضريبي، وبإعادة هيكلة سوق العمل بصورة أسرع وأكثر فعالية مما نراه حالياً، وبتحسين الخدمات، بخاصة التعليم والصحّة، بصورة ملموسة، أي أن يلمس الناس روحاً إصلاحية ثورية في سياسات وإجراءات الحكومة، وهذا ما لا نراه إلى الآن.
الصعيد الثاني ضرورة توسيع قاعد الشراكة السياسية والتفاهمات من أجل عبور المرحلة، وهذا يقتضي فتح قنوات واسعة من الحوار، وربما تعديلاً حكومياً موسّعاً لإدماج الشباب وألوان سياسية مختلفة في الحكومة، بما في ذلك أصحاب الرؤية المعارضة والنقدية، كي تكتسب الخطوات المطلوبة توافقاً أكبر ومصداقية واضحة، ولإيقاظ "المطبخ السياسي" الذي دخل في غيبوبة مبكّرة!
أمّا النافذة الثانية، التي ينظر إليها الأردنيون، فهي التوجه شرقاً وشمالاً، ومحاولة فتح أفق اقتصادي جديد، بخاصة أنّ هنالك رغبة عراقية واضحة. وكما تعلّمنا من خلال ما سبق، فإنّ مفتاح هذه النافذة مع الإيرانيين، لذلك قد يكون من الضروري تدوير الزوايا الحادة مع طهران، لفتح البوابة العراقية للأردن، وهي على درجة مهمة جداً لإحياء قطاعات اقتصادية وتجارية أولاً، ولإمكانية الإفادة من أسعار مخفضة من الوقود ثانياً.
للمرة الألف ذلك لا يعني تغيير التحالفات، بل حماية الأمن الوطني الأردني، الذي تدخل مصالحنا الاقتصادية في صميمه.
الغد 2017-12-26