محفزات التقارب المصري - التركي
عاملان أساسيان يدفعان نحو إطلاق عملية سياسية لكسر حاجز التوتر والجمود في العلاقات التركية المصرية؛ الأول يتعلق بالضغوط الأمريكية والسياسة الغوغائية والفوضوية التي أطلقتها أمريكا من عقالها بإعلان القدس عاصمة للكيان؛ والتي استبقت فيها إطلاق خطتها الخرافية المسماة «صفقة القرن» مربكة حلفاءها قبل أصدقائها في المنطقة ومسببة حرجا وإرباكا كبيرا في الإقليم بأكمله.
العامل الثاني لا يقل أهمية عن الأول ويتمثل بتصاعد وتنامي النفوذ الروسي في الإقليم وخصوصا مصر؛ فمصر عقدت صفقات بمليارات الدولارات لشراء أسلحة روسية؛ والأهم أنها عقدت صفقة القرن ببناء مفاعل نووي بتقنية روسية شمال الإسكندرية قدرت كلفته بـ17 مليار دولار تمولها روسيا؛ ما يعني أن روسيا لديها مصالح قوية في مصر تدفعها إلى تدعيم استقرارها بما يحفظ مصالحها وطموحاتها في الإقليم؛ فالضغوط السياسية المتولدة عن أخطاء إدارة ترمب وتهوره تحولت إلى قوة طاردة ومنفرة للدول والقوى الإقليمية في المنطقة؛ يقابلها مرونة كبيرة لدى موسكو تتيح لها لعب دور الوسيط لتحقيق انفراجة في العلاقات التركية المصرية لتجمع بين شريكين مهمين في الإقليم بما يخدم نفوذها ودورها؛ فروسيا غائبة ولكنها على الأرجح حاضرة في ملفات الإقليم بقوة.
تعكس هذه الحقائق تصريحات متكررة لوزير الخارجية التركي جاويش ولرئيس الوزراء التركي يلدرم برغبة تركيا بتطوير علاقاتها بمصر؛ قابلها مؤخرا تصريحات لوزير الخارجية المصري من على منبر صحيفة الأخبار بـ»أن مصر ترغب بتجاوز التوتر في علاقتها مع تركيا»؛ أمر يوحي بأن الظروف باتت مكتملة لتحقيق انفراجة في العلاقات التركية المصرية تحفزها رغبة روسية وتهور وغوغائية أمريكية.
روسيا باتت وسيطا ولاعبا أساسيا مقبولا في المنطقة؛ وسيمتد دورها إلى سائر الملفات التي فجرتها إدارة ترمب المتهورة؛ فالتخبط والتهور الأمريكي قاد المنطقة إلى مزيد من الفوضى والتوتر وخلق ضغوطا تهدد الاستقرار؛ وهو آخر ما ترغب مصر وتركيا التعامل معه في الوقت الحالي.
مصر مؤهلة لإجراء مصالحات داخلية تفضي إلى استعادة السلم الاجتماعي وتعزيز الاستقرار برعاية روسية وشراكة تركية مصرية؛ فروسيا باتت اللاعب الأساسي في سوريا وهي فاعل أيضا في السودان بل أنها بدأت تتلمس طريقها في اليمن من خلال لقاءات دبلوماسييها بنائب الرئيس اليمني «علي محسن الأحمر» الرجل القوي في اليمن.
إنهاء التوتر التركي المصري سيكون بداية حقيقية لمرحلة جديدة وانعكاسا لمتغيرات تفاعلت طويلا لتنتج حقائق متغيرة على الأرض؛ محفزة دولا كثيرة للانضمام إلى هذا المربع الجديد؛ أمر سيحقق انفراجات في ملفات أخرى تشهد تأزما لم يعد بإمكان واشنطن معالجتها خصوصا أنها المسبب الرئيس لها.
السبيل 2017-12-26