أيام العرب الثانية !!
لا بأس ان يعيد العرب او من لم تصله عدوى الامية منهم قراءة ما يسمى في ادبياتهم ايامهم الجاهلية، حين كان تبادل الهجاء والغزو وسائر محاصيل الوحشية هو البديل للقانون والشرائع في حياتهم، وما اختلف الان هو الادوات والاساليب اما الذهنية فهي ذاتها، وحروب من طراز البسوس وداحس والغبراء تستخدم فيها الان اسلحة غير السيف والرمح والدرع، ويتولى الهجاء بدلا من الشعراء فضائيات تستخدم آخر منجزات التكنولوجيا، وما يثير الدهشة الان هو غياب المتخصصين في علم النفس والاجتماع والانثربولوجيا رغم ان المشهد العربي يقدم لهم عيّنات نموذجية للتحليل والفحص ، ولم يبق امام العربي المتوتر بل الموتور الا ان يعلن الحرب على نفسه ، ولعله اعلنها منذ زمن بعيد ما دامت النفس امّارة بالسوء !
ما يجب تحليله والبحث عن جذوره هو هذا التشنج وغياب روح التسامح وثقافة الاعتذار، فما ان يرتطم كوز بجرّة حتى يتحطم الفخار كلّه ! فكيف وبأية معجزة تطور العرب شكليا والى حدّ يحذف الفروق بينهم وبين ارقى الشعوب لكنهم لم يغادروا المكونات الاولى وكأن الحداثة بكل ميادينها مجرد حفلة تنكرية استبدل فيها البعير بالطائرة والوأد الجسدي بالوأد النفسي والمعنوي، واخترعت مساحيق تجميل لاخفاء ندوب التخلف وتقرحاته وما يفرزه من قيح !
وقد استطاع الرّخام لفترة من الزمن اخفاء السخام، لكن الحقيقة سرعان ما نفضت عنها كل المساحيق وظهرت بكامل عُريها وهي ما نراه على مدار الساعة من انتحار قومي يحدث بالتقسيط ولم يظهر حتى الان من يستحق براءة اختراع وكل الجوائز في العالم لأنه قادر على كشف المستور وسر الخيمياء لا الكيمياء التي حوّلت الاغنى الى الافقر والاقوى الى الاضعف والاوسع الى الاضيق .
رحم الله نزار قباني الذي شمّ هذه الروائح عن بُعد عقود حين قال لبسنا قِشرة الحضارة والروح جاهلية !
الدستور 2017-12-27