"صنع في بلدي"!
"أكد رئيس اللجنة المشرفة على حملة "صنع في الأردن"، المهندس موسى الساكت، وجود مساع لدى غرفة صناعة عمان لإدراج شعار "صنع في الأردن" ضمن البطاقة التعريفية للمنتجات الوطنية بحيث يصبح مرادفا للجودة والتميز".
من المهم والضروري أن يكون هنالك تفكير في طريقة دعم المنتجات الوطنية، كما نرى في تصريحات الساكت، كأن يوضع ملصق "صنع في بلدي"، على البضائع الأردنية. لكن مثل هذه الخطوة ستكون قرعاء، ولن تحدث فرقاً حقيقياً، إذا لم تكن مرتبطة بحزمة وسياق متكامل من السياسات والتشريعات والقوانين، وبإعادة النظر في ملف الصناعات الوطنية بأسره، من أجل معرفة أين نضع أقدامنا وهو المطلوب في المرحلة القادمة.
تكفي نظرة إلى الميزان التجاري الأردني (مقارنة الصادرات بالواردات) كي ندرك حجم الاختلال، ففي آخر نشرة (للأشهر السبعة الأولى من العام الحالي) نجد أنّ حجم الصادرات الوطنية بلغ في فترة القياس 2 مليار و478 مليون دينار، بينما بلغت المستوردات 8 مليارات و300 مليون دينار.
وتخلص النشرة إلى أنّ العجز بالميزان التجاري ارتفع خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي الى 11.6 %، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مدفوعا بتراجع نسبة تغطية الصادرات للمستوردات بـ 2.3 %.
وهكذا إذا نظرنا في الميزان التجاري في علاقة الأردن بكثير من الدول الإقليمية ودول العالم، التي وقعنا معها اتفاقيات مرتبطة بالتجارة أو التزاماتنا بالاتفاقيات التجارية الدولية، فسنجد أنّنا أمام اختلال كبير، لا تكفي عبارة "صنع في بلدي" وحدها لتعالج ذلك!
الفرق يكون بأن نبدأ التفكير – مرّة أخرى- بعمق وبدراسة مقارنة علمية بهويتنا الاقتصادية، من نحن اقتصادياً؟ وما هي الميزة التنافسية لصناعاتنا واقتصادنا داخلياً وإقليمياً وعالمياً؟ وكيف ندعم خياراتنا الاقتصادية الصحيحة؟ لأنّني أزعم أنّنا حتى اللحظة لا نملك هذه "الهوية الاقتصادية" التي تصمم السياسات والتوجهات الاقتصادية والأولويات بصورة واضحة وبخريطة طريق مدروسة وليست ارتجالية عشوائية!
المصالح الاقتصادية تدخل في مفهوم الأمن الوطني وفي تصميم السياسات الخارجية والقرارات والتوجهات، ليست مفصولة عنها، وهي أساس جوهري في العلاقة بين الدول، ومن الضروري استدخالها وإدماجها في التفكير في توجهاتنا وقراراتنا ليس على صعيد تفكير الحكومة فقط، بل على صعيد آخر مهم وهو إشراك رجال الأعمال والاقتصاديين في حلقات التفكير في هذا المجال، ليكونوا جزءاً من العملية.
لاحظ كثيرون كيف أنّ الرئيس الأميركي كان يهتف - بعد توقيع الاتفاقيات العسكرية والدفاعية مع دول الخليج العربي، في زيارته السعودية- ويقفز .. Jobs Jobs، وكيف يجري اليوم التنافس على عملية "إعمار سورية" قبل أن تبدأ، وكيف تحاول إيران السيطرة على السوق العراقية كاملة، بل إنّ جزءاً كبيراً من التنافس الآسيوي (بالذات الصيني)- الأميركي اليوم هو على المصالح الاقتصادية.
الصناعة الوطنية مرتبطة أيضاً بالثقافة الاجتماعية والسياسية، وهذا وذاك متعلق بدور عميق مفهوم للسياسيين والمجتمع المدني في تشجيع المستهلك المحلي على دعم الصناعة الوطنية بصورة غير رسمية، وبتعميق هذا المفهوم كثيراً في ثقافة الناس، عبر التعليم والإعلام، والنموذج على ذلك الثقافة اليابانية التي تفضّل دوماً الصناعة المحلية، وكثيرون يذكرون كيف أنّ رئيس وزراء ماليزيا الأسبق مهاتير محمد، أصرّ على ركوب سيارة من صناعة ماليزية لتشجيع هذه النهضة، وهو فعلاً ما حدث.
في المحصلة "صنع في بلدي" مرتبطة بسياق ونسق ومفاهيم وثقافة وسياسات، ومنظومة مختلفة تماماً عن التخبط الذي يحكمنا!
الغد 2017-12-27