موقع «السلطة» على خريطة المحاور الإقليمية المتزاحمة
ثلاثة محاور عربية - إقليمية تتزاحم على الساحة الفلسطيني، كل واحد منها يسعى في تجميع أوراق القوة والنفوذ، وبسط سيطرته على مجريات المشهد الفلسطيني، وادعاء القدرة على صياغة القرار الفلسطيني والتأثير عليه، والمؤكد أن “محركات” هذه المحاور، إنما ترتبط أشد الارتباط، بمصالحها وحساباتها، وليس بالضرورة بمصلحة الشعب الفلسطيني وحسابات قضيته الوطنية، بل وأحياناً بالضد من هذه وتلك.
والمؤسف حقاً، أن السلطة الفلسطينية، بما تمثل ومن تمثل، تشعر – عن حق - أنها مستهدفة من قبل هذه المحاور، وإن بطرق مختلفة، ودرجات متفاوتة من حيث الخطورة والقدرة على التأثير، في حين تجد “غريمتها” حماس، بأن محورين من هذه المحاورة الثلاثة، يشاطرانها مواقفها أو يسعيان في كسب ودها، وأن بمقدورها الرهان بهذا القدر أو ذاك، على دعمهما وإسنادهما.
محور إيران – حزب الله، وبدرجة أقل بكثير، دمشق، لا يخفي مواقفه المناهضة للسلطة، وشكوكه العميقة حول مواقفها وموقعها وتحالفاتها، وليس “التحقيق” الذي تصدر الصفحة الأولى لصحيفة الأخبار، المحسوبة على هذا المحور، والمخصص بأكمله، للهجوم على السلطة رئيساً وأجهزة وتوجهاً، سوى تعبير عمّا يعتمل في دواخل هذا المحور وغرفه المغلقة ... في المقابل، وعلى الرغم من خلافات السنوات الست الفائتة، إلا أن هذا المحور، لا يكل ولا يمل من محاولة استمالة حركة حماس، وإعادتها إلى حظيرته... ومن دون أن تقتصر رهاناته على حماس، فإن هذا المحور يسعى في توسيع شبكة تحالفاته مع فصائل فلسطينية، أقل حجماً وشأناً.
وحدها دمشق، تشذ في الموضوع عن حليفيها الرئيس: إيران وحزب الله، حتى الآن على الأقل، فهي ما زالت تغلق أبوابها في وجه محاولات عودة حماس أو استعادتها، وهي تحتفظ بالحد الأدنى من العلاقة مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، حيث آثرت رام الله اتباع سياسة “النأي بالنفس” في سنوات الأزمة السورية، بخلاف حماس، التي تورطت فيها سياسياً وميدانياً لصالح المعارضة وبالضد من النظام، ومن موقع الدوحة وأنقرة.
محور أنقرة – الدوحة، ومن خلفه جماعات الإخوان المسلمين، وهو يحتفظ بعلاقة طبيعية مع السلطة، بيد أن انحيازه لحماس، لا يخفى على أحد، وهو عمل ويعمل على تأهيلها، وتقديمها بوصفها بديلاً للمنظمة أو مكملاً لها، وهو لا يُخفي ذلك على أية حال، واعترافات قادة أتراك، كشفت المستور في علاقة هذا المحور بالحركة ... رسمياً، لا يبدي هذا المحور ميلاً للضغط على السلطة، لا لتصعيد مواقفها ولا لـ”تهبيطها”، كل ما يهم أركانه، هو ضمان “تعويم” حماس، بوصفها مدخلاً لنفوذه الإقليمي، وورقة يضيفها إلى “أوراق اعتماده” كلاعب إقليمي، بدور قيادي، لا يمكن تجاوزه.
محور الرياض – أبو ظبي، وهو لا يُخفي عدائه لحركة حماس، بوصفها جزءاً من جماعة الإخوان – الأم، تتفاوت تكتيكاته بين مرحلة وأخرى، فهو يُقرّب الحركة منه، لإزعاج الدوحة وأنقرة، وعندما يخفق في مسعاه، يسعى في تشديد أطواق العزلة المضروبة حولها.
عمان والقاهرة، وحتى فترة ليست بعيدة، وفي إطار ما كان يُعرف بـ “الرباعية العربية”، كانتا قريبتين من هذا المحور، بيد أنهما قررتا الإبقاء على مسافة واضحة منه، خصوصاً في ملف المصالحة، وبالأخص بعد “قرار القدس”، هنا بدا أن العاصمتين الأقرب إلى فلسطين، أظهرتا استشعاراً أكثر وضوحاً للتهديد الإسرائيلي – الأمريكي، والذي إن قُدّر له أن يشق طريقه، فإن تداعياته الخطرة، لن تتوقف عند خريطة فلسطين وحدودها، بل ستطال البلدين وتطاول مصالحهما وأمنهما القوميين.
ولقد لوحظ، أن فترة من الفتور والجفاء التي ميزت العلاقة بين رام الله وكل من عمان والقاهرة، سرعان ما تبددت، ليتكثف بعدها الحضور المصري في المشهد الفلسطيني، من بوابة المصالحة، ويتعزز الحضور الأردني من بوابة القدس والرعاية الهاشمية للمقدسات ... ويمكن القول، أن هاتين العاصمتين، لا تكنان كثيرٍ الود لحماس، وإنهما أقرب للسلطة في مقارباتهما للملفات المختلفة، من دون تماهٍ أو تبني.
خلاصة القول، تبدو السلطة الفلسطينية، ومشروعها السياسي، هي الأكثر تضرراً بفعل تزاحم المحاور الإقليمية – العربية، وتسابقها على “الورقة الفلسطينية”، وبرغم الضجيج الكثيف لشعارات الدعم والتضامن والإسناد، إلا أن سطح الأحداث يخفي تحته، أشد مشاعر القلق والتحسب، من خطورة تحول فلسطين إلى ساحة إضافية من ساحات “حروب الوكالة” بين المحاور المتصارعة، حتى وإن لم تتخذ شكل المواجهات العسكرية الدامية، كما حصل ويحصل في الساحات المشتعلة الأخرى.
الدستور 2017-12-31