نار الزحفتين

تم نشره الأحد 31st كانون الأوّل / ديسمبر 2017 12:14 صباحاً
نار الزحفتين
رمزي الغزوي

الحب وحده من بين كل النيران، لا تترك ناره الأجاجة إلا جمراً يتوقد في سويداء القلب، جمراً لا يزداد إلا جمرا على حرق. أما نار النواب حامية الوطيس متلاطمة الوهج والوقد، والتي تحمحمت في أروقة المجلس لمناقشة موازنة السنة الجديدة، فهي نار مختلفة تماماً ليست كالحب، بل نار ليست إلا جمرة ليل، ولا تلبث جمرات الليل أن تصبح رمادا رطباً.
وإذا كانت نار إبراهيم العالية الألسن، حدّ حرق أجنحة الطيور الطائرة، قد نجا من براثنها خليل الله برداً وسلاماً، فكذلك الحكومة ستخرج من نار النواب برداً وسلاما، فهذا ما تعيه ذاكرتنا الشعبية، ليس لأن الحكومة تتقمص ثياب رجال مطافئ، وتتدرع خوذهم، بل إنها ببساطة نار صورية، تخلب الأبصار وتبهر الأنظار ربما، لكنها بسعرات حرارية لا تفي لقلي بيضة.
في كل موازنة تقتنص الفرصة ليصبح النقاش منبراً محشرجا ومنصة لخطب نووية: أرض أرض وأخرى أرض جو وغيرها من الهجومات التكتيكية، حيث نائب يصعد لهجته على غير عادته، ويكشر عن أنيابه، التي نامت تحت ابتسامة حميمية زمنا طويلا، فنراه يزبد ويضرب الطاولة، ويشرب أكثر من كأس ما، يجمط ريقه ويجرد حلقه، مستعرضا عضلاته البلاغية والنحوية والشاعرية (ويا بنت شوفيني وشوفي طولي).
الأصل أن نسمع تحليلات وبدائل وطروحات للخروج من مأزقنا الاقتصادية، لكن خطب الموازنات بالعموم نسمع بها ذات الكلاشية وذات الديباجة، والتي تصلح لتكون خطبة لكل موازنة قادمة، أو حتى فائتة، فهي مكرورة بعباراتها وأفكارها، فلم نلحظ وعياً واعيا في الاقتصاد ومفاصله ودقائقه، بالقدر الذي سمعنا خطبا لمختار يطالب بخدمات لمنطقته الانتخابية الضيقة، أي أن الخطب تبدو وكأنها لا توجه للمجلس وللحكومة، بالقدر الذي هي موجهة لمواطن الشارع، الذي يريد من يحك له على جربه، ويدغدغ عواطفه، وبهذا المطب يقع دوما أخوتنا النواب!.  
لدى البدو نار تسمى نار (الزحفتين)، فإذا أشعلت نباتات خفيفة، مثل القش أو الشيح أو البلان أو القيصوم، فإن نارها في أول أمرها ترتفع عالية حامية متلاعبة الألسن، مما يضطرك أن تزحف بعيداً عنها، وعن صلي حرها، لكن ما هي إلا لحظات، حتى تخمد وتفتر، فتضطر أن تزحف هذه المرة مقترباً منها، علك تجد دفئاً صار مفقوداً، ولهذا تسمى بنار الزحفتين.
واستنادا لكل النيران أنفة الاشتعال نطمئن الحكومة بأن الموازنة ماشية ماشية، فهذه النار ما هي إلا نار زحفتين وليست أكثر، وكل موازنة ونحن أذن صاغية.

الدستور 2017-12-31



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات