الصين والعرب 2018.. حتمية جيوسياسية
بإطلاقها مشروع حزام واحد- طريق واحد وضعت الصين المنطقة العربية في دائرة الاهتمام؛ فالمشروع الصيني يمر في بحر العرب والبحر الاحمر متجها الى القارة الافريقية واوروبا؛ فالنشاط الجيوسياسي الصيني لم يعد مقتصرا على جنوب شرق اسيا والباسفيك ووسط اسيا فقط بل امتد نحو غرب اسيا والبحر الاحمر.
نشاط الصين الجيوسياسي مدفوع بحاجة ضرورية ورغبة حقيقية للحفاظ على نموها الاقتصادي الذي بات عنصر اساس في استقرار نظامها السياسي واستيعاب الاختلالات الناجمة عن الفجوات بين الساحل الصيني والداخل؛ داخل صيني افتقد الى الاهتمام بفعل النمو المتسارع لمنطقة الساحل ليتم ربطه مؤخرا بمشاريع تنموية بنقل لثقل نحو الموانئ البرية على حدود اسيا الوسطى.
تمدد المجال الحيوي الصيني نحو المنطقة العربية لا يعد ترفا بل نتاج لتطور طبيعي ومتطلب امني اقتصادي وسياسي لا غنى عنه لتعزيز مكانتها في النظام الاقتصادي العالمي، والدفاع عن استقرارها وامنها السياسي والاجتماعي.
فشبكات الطرق البرية العابرة للاراضي الروسية والتركية باتت ملاذا مهما لتعزيز مكانتها وبلوغها الاسواق العالمية وتنمية مناطقها الداخلية؛ بشبكات معززة بخطوط بحرية وموانئ باكستانية وبنغالية وايرانية للوصول الى القارة الافريقية وغرب اوروبا.
التحولات التي تحدثها الصين تمثل استثمارا ضخما لتعزيز النمو الاقتصادي المستهدف من ادارة امريكية بات تخشى من دور صيني متعاظم في النظام الاقتصادي الدولي، خصوصا ان الفجوة تضيق يوما بعد يوم بين بكين وواشنطن؛ فالصين تملك ناتجا قوميا يقارب الـ 11 ترليون دولار وبنسبة نمو 6.8% في حين ان الولايات المتحدة تملك ناتجا قوميا يبلغ 18 ترليون دولار ولكن بنسبة نمو متواضعه 2.5 %.
الصعود الصيني معزز بسياسات مالية جديدة على رأسها تعويم عملتها «اليوان» ليصبح جزءا من سلة العملات العالمية لاعب اساسي في تعزيز الانفتاح على المنطقة العربية، اتبعته بقرار شراء النفط بالعملة الصينية وبضمانة احتياطات الذهب الموجودة لديها؛ فاليوان قطع اكثر من نصف المسافة لمنافسة الدولار، معززا باتفاقات للتبادل التجاري بالعملة الصينية مع شركائها في العالم العربي واسيا وافريقيا.
تعداد المنجزات الاقتصادية الصينية للعام 2017 سيتولد عنها وبشكل حتمي نشاط سياسي ودبلوماسي متسارع لحماية هذا النفوذ وتلك الطموحات؛ فالصين في العام 2018 ستتحول الى لاعب سياسي بمنطقتنا العربية بتأثير من النفط والموقع الجغرافي الى جانب الاسواق التي تزخر بها المنطقة والمهمة للحفاظ على وتيرة نمو مرتفعة.
الصين في العام 2018 ستدشن على الارجح سياسة جديدة تجاه المنطقة العربية وغرب اسيا شهدنا ارهاصات لها في المنطقة بتأسيس قواعد عسكرية في جيبوتي وارسال كتيبة من جيشها الى سوريا؛ فالمنطقة تقع في لب السياسة الصينية وقلبها، والمؤشرات على ذلك ستزداد قوة بمرور الوقت.
فالصين حققت قفزات مهمة في سياستها في اسيا الوسطى مختتمة العام 2017 بجهد دبلوماسي لتقريب وجهات النظر بين كابول واسلام اباد لتقدم نفسها كراعي للسلام الاقليمي والاستقرار في اسيا الوسطى؛ مدفوعة بطموحاتها لتوسيع مشروعها حزام واحد- طريق واحد ليضم افغانستان مضيفة 14 مليار دولار على الكلفة الاجمالية للشراكة مع اسلام اباد التي بلغت 40 مليارا، الاهم من ذلك تعزيز الامن والاستقرار في اسيا الوسطى بما يحد من انتشار التطرف والجماعات المسلحة لتهدد اراضيها ومشاريعها الكبرى في المنطقة.
النمط ذاته ستشهده المنطقة العربية خلال العام القادم فكلما تعمقت الصين خطوة في طريقها لتحقيق النمو، كلما ازداد اهتمامها ونشاطها السياسي والدبلوماسي والعسكري في المنطقة لتطرح نفسها كراع للسلام والاستقرار؛ فالمنطقة العربية على موعد مع نشاط صيني استثنائي في الاعوام المقبلة والبنية التحتية لهذا النشاط باتت قاب قوسين او ادنى من عالمنا العربي مدعومة باستراتيجية واضحة ورؤية ثاقبة، في حين ان البنية التحتية للنفوذ الامريكي يتم تقويضها يوم بعد يوم وبدون استراتيجية واضحة او متجانسة وبرؤية يمينة انعزالية خرقاء متهالكة.
السبيل 2018-01-01