ماذا يجري في إيران؟
المظاهرات التي انفجرت في ايران، لا يمكن التقليل من شأنها، ولا توصيفها باعتبارها مؤامرة خارجية مثلما يقول الايرانيون؛ لان هناك عوامل موضوعية ادت الى هذا الوضع الذي يواجهه الايرانيون.
حين يعيش ربع سكان ايران تحت خط الفقر، وملايين الايرانيين بلا عمل، وفي الوقت ذاته، يواجه الايرانيون عزلة عالمية وعربية واسلامية، على صعيد حياتهم وتحركهم، وتنتشر البطالة والظروف السيئة، مقابل انفاق عشرات مليارات الدولارات على صراعات في دول عربية، وعلى بناء منظومة تابعة لايران في دول عديدة، فمن حق الايرانيين لحظتها ان يخرجوا في حالة غضب.
لا يمكن التعامل مع هذه المظاهرات، سواء توسعت او تراجعت، باعتبارها مجرد مؤامرة خارجية، كما يحب الايرانيون ان يصوروا ذلك، واذا كانت مؤامرة خارجية حقا، فمن حق الايرانيين ان يسألوا حكومتهم عن الذي فعلته لاغلاق باب المؤامرات الخارجية؟!.
التدخل الايراني في دول عديدة، كان سيئا للغاية، وادى الى تكريس صورة سلبية جدا للنظام الايراني ولعل الايراني يسأل نفسه عن الجدوى من كل الشعارات الدينية التي يتم رفعها، وتلك الشعارات الثورية، ما دام الايراني نهاية المطاف لا يعيش كما يجب، لا يجد عملا، ويعاني على كل مستويات الحياة.
هذا يفسر خروج اصوات في المظاهرات تطالب بالنأي عن ملفات عربية في سوريا ومناطق اخرى، لان الايرانيين منذ عام 1979 وهم في معركة مفتوحة مع العالم العربي، ولعل الذي يعود الى ارقام الحرب العراقية الايرانية، وكلفة التدخل الايراني بعد سقوط نظام صدام حسين، وكلفة التدخل في سوريا، واليمن، ودعم جهات عديدة، يكتشف بكل بساطة ودون مبالغات ان مبالغ فلكية تم انفاقها على حساب حياة الايرانيين، وتسببت فوق ذلك، في غرق شعوب اخرى، في ازمات وصراعات، نرى كلفتها في كل مكان.
ماهي جدوى كل هذه الحروب والازمات والصراعات التي يتم انتاجها في المنطقة، بعد ان ثبت ان كل هذه الحروب لاتؤدي اي نتيجة، سوى ارهاق شعوب الدول التي تتدخل، وارهاق شعوب الدول التي يتم التدخل فيها، وبهذا المعنى فإن الخسائر مركبة ومضاعفة.
مما يؤسف له ان ترد حكومة طهران بذات الطريقة البائدة، اي اخراج مظاهرات في الشوارع ضد المتظاهرين الاصليين، والحديث عن مؤامرات خارجية، والاستعانة بالمرجعيات الدينية والامن، لوقف هذه المظاهرات، وكما اشرت، فحتى لو توقفت هذه المظاهرات، فإن هذا لا يلغي اساس المشكلة، اي معاناة الشعب الايراني، على مستويات مختلفة.
مثل كل مرة، يتم تلطيخ سمعة المعترضين، بالقول انهم عملاء لدول اجنبية وعربية، او عملاء لمنظمة مجاهدي خلق، او جواسيس، او مرتبطون باجهزة عالمية، ومحاولات تلطيخ السمعة متعددة، لكنها في نهاية المطاف، لن تطعم جائعا، ولن تقدم وظيفة لايراني واحد، فوق التأزيم النفسي، حين يشعر الايراني انه ليس محل ترحيب في كل مكان يذهب اليه، بسبب المخاوف من الايرانيين، وهذا امر يعرفونه جيدا عند محاولتهم السفر، او الحصول على تأشيرة، او الوصول الى اي بلد.
كل الازمات التي دخلت فيها ايران في المنطقة، لها ضحاياها، ولم يكن ممكنا، ان لا ترتد هذه الازمات ومن ناحية اخلاقية على وجدان الايرانيين؛ لان اغلب الايرانيين، يسألون انفسهم عن علاقتهم بكل هذه المذابح التي تجري، في العالم العربي، ومن الطبيعي على مستوى الضمير الانساني، ان يتبرأ الايراني ولو سرا من كل هذه الجرائم، حين يرى ماتتعرض له شعوب وعائلات واطفال في كل مكان.
اذا كانت طهران الرسمية، تعتقد انها مستهدفة من الولايات المتحدة واسرائيل، لاعتبارات مختلفة، فان هذا الاستهداف لايمكن ان يؤثر على الداخل الايراني، اذا لم يكن هشا وضعيفا، وهذا يعني انه لا يجوز تحت عنوان «المؤامرة الخارجية» التنكيل بالشعب الايراني، وتجويعه، والزج به في حروب هنا وهناك، وعدم توفير العمل له، لان كل هذه الاحوال بوابات لاي مؤامرة خارجية، وهي بوابات لايمكن اغلاقها لا بالشعار الوطني، ولا بالرأي الديني، وقد رأينا شعوب اخرى، بلغت هشاشتها الداخلية مبلغا كبيرا، فلم تقدر ان تقف في وجه اي مؤامرة خارجية، بل ان بعضها فضل ان تنفذ المؤامرة الخارجية حتى النهاية من اجل الخلاص من نظام حكم معين، او من ظروف مأساوية.
استمرت المظاهرات او توقفت، لافرق. لان الاهم ان الداخل الايراني مرهق جدا، وبحاجة الى الحياة، وهذا ما يتوجب ان يفهمه كثيرون، وإخماد الجمرة، لا يعني ان الحريق لن يعود.
الدستور 2018-01-01