البعد الديني في الصراع المحتدم
هناك موضوع مهم يظهر ظهوراً فاقعاً لا يمكن إخفاؤه في الصراع المحتدم في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر حيث يتم تجاهله والتغافل المصطنع عنه من قبل كثير من السياسيين والمنظرين العرب، وهو ما يتعلق «بالبعد الديني» على وجه الخصوص، بينما لا يخجل الصهاينة المحتلون والأمريكان المؤيدون لهم في إثارة هذا البعد وتفعيله والتصريح به بكل وضوح وجرأة خالية من كل أشكال الغمغمة والضبابية.
اليهود جاءوا إلى فلسطين ومازالت الجهود الحثيثة تجري على قدم وساق لتجميعهم من الشتات إلى فلسطين بناءً على عقيدة توراتية تلمودية متجذرة في وجدانهم ومتوارثة في أجيالهم، أما فيما يتعلق بالقدس فهي أكثر وضوحاً وتجذراً وعمقاً، ويطلقون على المسجد الأقصى اسم «جبل الهيكل»، ويتم تدريس هذه العقيدة للأطفال مع رضاعة اللبن من أثداء أمهاتهم، ويعدون المؤرخين وعلماء الآثار والجغرافيا والمتخصصين من أجل الإشراف على التنقيب في بطون الأرض وفي بطون الكتب والتاريخ من أجل إنجاز أطروحة متكاملة يتقدمون فيها إلى العالم، بالإضافة طبعاً إلى المضي في بقية المسارات السياسية والدبلوماسية ومسارات إعداد القوة بكل أبعادها على جميع الأصعدة.
الوجه الآخرللمصيبة أن هناك طائفة مسيحيّة متصهينة، ظهرت قبل أكثر من قرن من الزمان في بريطانيا واتسع ظهورها في أمريكا، التي يطلق عليها (الانجيليون) وهؤلاء أشد تطرفاً من اليهود وأكثر حرصاً على قيام دولة اسرائيل، إذ إنهم يعتقدون بأن عودة المسيح الثانية مرتبطة بقيام دولة (إسرائيل)، والتي يعقبها مذبحة (هارمجدون)، التي يتواجه فيها معسكر الخير مع معسكر الشر، والمسلمون هم الأشرار الذين يستحقون الإبادة في هذه المعركة المقدسة، وأصبح عدد هؤلاء المسيحيين المتصهينين يقارب (السبعين مليوناً) تقريباً؛ ما جعلهم قوة تصويتية هائلة وكتلة انتخابية كبيرة ومؤثرة في الانتخابات الأمريكية، والرئيس ترامب هو من هذه الطائفة المسيحية المتصهينة المتطرفة التي تحمل عقيدة الكراهية الشديدة تجاه المسلمين، والتي كانت محور حملته الانتخابية بوضوح، وأعلن عبر مجموعة من التصريحات والخطب أن أمريكا تواجه عدواً قذراً وخطراً لأنه ليس خطراً متمثلاً بجيوش بأزياء عسكرية، ولكنه عدو متخف بأزياء مدنية، وهؤلاء يستحقون الإبادة، وهذا ما يقوله منظرون كثر من هذه الطائفة.
لماذا يتجنب الكتاب والسياسيون العرب والمسلمون الحديث بوضوح عن البعد الديني الظاهر في الصراع المحتدم بينهم وبين اليهود والصهيونية ؟ ولماذا يظهر عدد كبير من أبناء العرب والمسلمين الذين يدعون الفهم والفكر والتنظير، لا يجرؤون عن وصف الحقيقة ويستحيون من إبرازها؟ ولماذا يتسلط العلمانيون العرب السطحيون في علمانيتهم على أبناء جلدتهم؟ ويبدعون في جلد المتدينين ويبدعون أكثر في جلد الإسلام كدين وحضارة وتعاليم، ويسخرون بكل فجاجة ممن يدعي أن الإسلام عامل نهوض وتحضر وبناء في الأمة، ويبذلون جهوداً مضاعفة في محاولة تسويغ الانسلاخ من الأمة وتراثها وهويتها وحضارتها، ويمهدون الطريق أمام التبعية الفكرية والثقافية للغرب والشرق، ويبرزون معالم التقدم لدى الحضارة الغربية ويسوءُهم أي جهد مبذول لمحاولة بناء شخصية حضارية إسلامية، ويملك هؤلاء المتحذلقون جرأة زائدة في السخرية من دينهم، وتنقطع ألسنتهم وتنخرس ببلاهة عند الحديث عن الجرائم والمجازر المروعة التي يرتكبها أعداؤنا تحت ستار الدين وبدوافع عقدية مختلفة قائمة على التعبئة بالكراهية الدينية الشديدة.
نحن أمام مفارقة عجيبة يصعب تفسيرها، إلّا من خلال البحث في ثقافة الهزيمة والمهزومين، الذين لم يستطيعوا إيجاد المبررات المقنعة لمعالم الهزيمة النفسية القابعة في عقولهم وقلوبهم وضمائرهم إلّا من خلال البحث عن مشجب (الإسلام) والدين، ولا يتقنون استخدام المعيار الواحد في التطبيق على كل الاديان، ووجدوا فرصة هائلة تهيأت لهم من بعض الفئات الجاهلة المتسربلة بالدين ليجدوا منفذاً نحو الدين نفسه.
الدستور 2018-01-01