ماذا ننتظر؟
في بداية العام الماضي (2017) أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية تقريراً عن التحديات والتوقعات التي ستواجه الأردن خلال العام، والتوصيات المقترحة من قبل الخبراء والمتخصصين الذين شاركوا في تلك الورشات، وفي الجلسات المغلقة، وصدر ذلك في كتيب بعنوان (أجندة الأردن 2017: صناعة السياسات في مرحلة "اللايقين").
يعكف المركز حالياً على متابعة هذه الخطوة مع تطويرها لوضع الأجندة المقترحة والمتوقعة للأردن في العام 2018، لكن هذه المرة التقرير سيكون بعنوان "الأردن 2018: التفكير خارج الصندوق"، لأنّنا نواجه تحولات وتطوّرات غير تقليدية في التحديات الداخلية والخارجية، وتحديداً في المجال الاقتصادي، الذي أصبح يمثّل اليوم التحدي رقم 1 للأردن، من وجهة نظري.
تقرير العام الماضي لم يكن محدّداً بصورة كاملة وتفصيلية، بقدر ما حاولنا رصد وترسيم الاتجاهات العامة في التطورات الدولية والإقليمية والسياسات الداخلية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكان هنالك إشارة إلى قرار ترامب المتوقع عن القدس، وعن التحول في السياسات السعودية في المنطقة، وعن نهاية تنظيم داعش وتحول استراتيجيته من الدولة إلى العصابات، وانتقال الأزمة السورية بصورة متدحرجة إلى المناطق الجنوبية، ريف دمشق ودرعا (وقراءة الفرضيات المرتبطة بذلك)، وكذلك الحال عن العلاقة مع إسرائيل وإدارة ترامب في ظل القرار المتوقع (حينها).
ومن الناحية الاقتصادية كان هنالك قراءة لمسار العام السابق (2016)، ومتابعة لمشكلة المديونية والعجز، والاتفاقية مع صندوق النقد الدولي، وتوصيات مرتبطة بالتعامل مع الأزمة الاقتصادية والمالية، بصورة عامة، لكن المطلوب السنة الحالية أن يكون هنالك اهتمام أكبر في الجانب الاقتصادي والخيارات والوسائل المطلوبة في التعامل مع هذا الملف، مع التمييز بين الأزمتين المالية والاقتصادية.
ونحن –الأردنيين- نقفز من العام الماضي (أمس) إلى العام الحالي (اليوم) نشعر بمشاعر ممزوجة بين القلق والفخر والأمل، القلق من الوضع الاقتصادي والمالي الصعب، ومن الأزمة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب، وتفكك الوضع الإقليمي العربي، والأمل والفخر أنّنا أصبحنا نموذجاً على الاستقرار والنجاة وسط إقليم معجون بحالة من الفوضى والصراعات الداخلية القاسية، وأنّنا بدأنا نتحدث للمرّة الأولى بصورة كبيرة ومفتوحة عما يسمى بـ"سياسات الاعتماد على النفس".
المهمات القادمة وطنياً كبيرة وعظيمة، وتحتاج إلى عقلية رسمية ذات أفق بعيد المدى-استراتيجي، وإلى مسؤولين يؤمنون حقّاً بالإصلاح، يحملون الرؤية والهمّ والهمّة، ولعلّ من المهمات التي سنتناقش فيها عميقاً في ورشات العمل الممهدة لتقرير العام 2018 هو جوهر العلاقة بين الدولة والمواطن وأزمة الثقة الخطيرة المتدحرجة بين الطرفين، وكيف ندير سياسياً ووطنياً مواجهة التحديات والأخطار.
بين هذا وذاك يبرز الملف الأكثر أهمية -من وجهة نظري- التعليم، وقد سمعتُ مؤخراً قصة مختصرة تلخّص جوهر الأزمة، وهي أنّ أردنياً يعمل في شركة خاصة مهمة عالمية في الأردن دعي إلى اجتماع مؤخراً مع رئيس الوزراء د.هاني الملقي، لمناقشة الاستثمارات والتحديات. تحدث ذلك الموظف مع إدارة شركته الأمّ يسألهم فيما إذا كان هنالك نقاط معيّنة يريدون طرحها بخصوص استثماراتهم في الأردن، فكان الجواب الصادم، بعد وقت قصير، وبعدما تدارس المسؤولون في الشركة الرسالة، أن قالوا له: لا نريد شيئاً سوى أن تنتبهوا إلى مستوى التعليم في الأردن، فالخريّجون الذين يتقدمون لنيل وظائفنا من المؤسسات التعليمية الأردنية مستواهم ضعيف، مقارنة بدول أخرى، معنى ذلك أنّ الماركة المسجّلة الأردنية، التاريخية، وميزتنا التنافسية، العقول الأردنية المهنية والتعليم المنتج، في تراجع كبير، وهذا يعني أنّنا تجاوزنا مرحلة الخطر إلى ما بعدها!
الغد 2018-01-01