اختناق النفوذ الأمريكي في آسيا الوسطى
ترامب من على منصة التواصل الاجتماعي تويتر هاجم الباكستان بالقول «الولايات المتحدة قدمت بغباء لباكستان أكثر من 33 مليار دولار على شكل مساعدات على مدى السنوات الـ15 الماضية، وهم لم يعطونا سوى الأكاذيب والخداع، ظنًا منهم أن قادتنا حمقى فهم يوفرون ملاذًا آمنًا للإرهابيين الذين نصطادهم في أفغانستان».
ورد عليه وزير الخارجية الباكستاني في تغريدة أيضاً على تويتر: «سنرد قريباً على تغريدات الرئيس الأميركي، وسندع العالم يدرك الفرق بين الوقائع والحقائق والخيال أو التكهنات»؛ وتطورت بالقول ان طالبان ليست بحاجة لملاذ امن في باكستان فهي تسيطر على 40% من الاراضي الافغانية التي انسحبت منها امريكا، ثم جاءت تصريحات مساندة من الخارجية بأن المساعدات الامريكية لا تقدم لباكستان لأهداف انسانية.
سبق هذا التوتر تصريحات لتيلرسون وزير الخارجية الامريكي اتهم اسلام اباد بتوفير ملاذات آمنة لحركة طالبان، ليأتي الرد من الخارجية الباكستانية في حينها ان السبب الحقيقي لأزمة الولايات المتحدة فشلها في افغانستان ملمحة الى رغبة الادارة بتحميل الباكستان مسؤولية الفشل الامريكي في افغانستان والذي فاقت كلفته الى الان الترليون دولار؛ ليطرح سؤال مباغت هل ستنسحب امريكا من افغانستان بعد هذا لفشل وتلك النفقات الكبيرة التي لم تترجم الى انجاز .
وسبق ذلك كله زيارة وزير الدفاع الامريكي الى اسلام اباد اتبعها قائد الدفاع الجوي الباكستاني بتهديد بلاده بإسقاط الطائرات بدون طيار التي ستحلق فوق اراضي بلاده.
لم تعد الازمة بين البلدين تدار في الاروقة الدبلوماسية او الغرف المغلقة بل من على منصات التواصل الاجتماعي، ولغة التهديد والوعيد هي السائدة بقطع المساعدات الامريكية مقابل حظر طيران تفرضة اسلام اباد على القوى الجوية الامريكية؛ ليتطور اخيرا باعلان باكستان اعتماد اليوان عملة للتبادل التجاري وجزء من احتياطاتها للعملة.
وفي خضم هذا التجاذب يبرز القلق الامريكي غير المعلن من الفشل في استراتيجيتها في افغانستان وعجزها امام التمدد المتواصل للنفوذ الصيني التي استضافت وفدا من طالبان قبل اشهر اتبعته بلقاء جمع وزير الخارجية الباكستاني والافغاني لتقريب وجهات النظر لتوسيع مشروعها في باكستان حزام واحد- طريق واحد ليبلغ 54 مليار دولار؛ وهنا تكمن الشيفرة السرية التي تفسر قول ترمب (33 مليار دولار مساعدات لإسلام اباد)؛ فالمنافسة جدية للنفوذ الامريكي، وقدرة الباكستان على المناورة والاستغناء عن المساعدات الامريكية باتت امرا متاحا في ظل التقارب الامريكي الهندي الطارد للحليف الباكستاني خصوصا وان بكين شاركت في المعركة الدبلوماسية برفض خارجيتها الاتهام الامريكي لاسلام اباد بانها داعمة للارهاب.
رأس الجبل الجليدي في افغانستان ولكل ما تبقى منه يقبع في الصين واسيا الوسطى؛ فبعد ان انفقت امريكا المليارات على استراتيجيتها في افغانستان باتت في مهب الريح امام التقدم الصيني، ولم يعد امام امريكا سوى محاولة التموضع مع الهند في اسيا الوسطى والضغط على باكستان على امل تفكيك الطموحات والتحالفات الصينية في المنطقة.
رد الفعل الامريكي على الشراكة الباكستانية الصينية فج ونزق وبدون افق؛ فأمريكا لا تملك بدائل تنموية حقيقية لباكستان وافغانستان في المدى البعيد، كما ان توتر علاقاتها مع الصين وروسيا وايران وتركيا تشير بوضوح الى اختناق النفوذ الامريكي في اسيا الوسطى؛ فمن السهل تحقيق المصالحة بين افغانستان والباكستان في حين يصعب تحقيق المصالحة بين الباكستان والهند؛ ما يجعل الاصطفافات الامريكية في المنطقة هشة وضعيفة، وردود الفعل الامريكية النزقة تزيدها سوءاً.
السلوك الامريكي سيدفع الدول الاقليمية الى مزيد من التعاون فيما بينها على رأسها ايران والباكستان وتركيا؛ فأمريكا لم تقدم لحلفاها في المنطقة سوى التهديد والوعيد؛ امر لا تقف الرياض بعيدا عنه في ظل الاسلوب الفج الذي تمارسة امريكا مع السعودية في اليمن.
السياسة الامريكية باتت لغزا مبهما فلغة التهديد والوعيد تشير بوضوح الى افلاس سياسي واقتصادي؛ فأمريكا لم تعد قادرة على المنافسة وهي تستنزف مخزونها الاستراتيجي وتدمر ادواتها في تنفيذ سياساتها الخارجية سواء الادوات الدبلوماسية ام الاقتصادية دون ان تملك بدائل حقيقية لملء الفراغ فالتهديد بقطع المساعدات لن يجدي نفعا لوقف عجلة التاريخ فالنظام الدولي ملئ بالقوى الطامحة بلعب دور قيادي.
السبيل 2018-01-04