للإرهاب في أميركا شكل آخر
جاء في الأنباء أنه منذ مذبحة لاس فيجاس في الأول من تشرين الأول الماضي، تعرض نحو ثلاثة آلاف أميركي لإطلاق النار عليهم قتل نحو ألف منهم، وجرح الباقون. وبهذا تنافس أميركا طالبان والقاعدة وداعش وبوكو حرام في الإرهاب الدموي أي بقتل الناس الأبرياء المصادفين، وهو أمر يحدث كل يوم في أميركا. لكن بدلاً من أن "يتشاطر" الرئيس الأميركي وحكومته وحزبه على تخليص أميركا من عوامل الإرهاب اليومي البنيوي فيها، فإنه ينشغل بالكذب بمعدل خمس مرات في اليوم، وبمقدار ثمانمئة كذبة في الستة الأشهر الأولى من رئاسته، وبإصدار الأوامر بمطاردة المهاجرين وتقييد حرية الهجرة.
ينسى الرئيس أنه مهاجر أصلاً، وابن مهاجر، وأن شعبه كله مهاجر، وأنه رئيس دولة من المهاجرين. كما ينسى أن أميركا بعكس كل دول العالم مكتظة بمنظمات الكراهية والعنصرية والإرهاب، فحسب دارسات وأبحاث المركز القانوني في الجنوب يوجد فيها تسعمئة وسبع عشرة منظمة من هذه الأنواع منتشرة في جميع الولايات وتعمل جهاراً نهاراً لتنفيذ أجندتها. ففي ولاية نيويورك وحدها (مثلاً) يوجد واحدة وأربعون منها وفي ولاية كاليفورنيا يوجد ثمانية وخمسون، وفي واشنطن العاصمة يوجد خمسة وعشرون.
تفرخ هذه المنظمات على مدار أسلحة المهووسين والمجانين والإرهابيين الذين يقتلون الأطفال في المدارس، والطلبة في الجامعات، والحضور في الفنادق.. تساعدهم في ذلك حرية اقتناء السلاح الذي لا يستطيع الرئيس والكونجرس أو لا يقدران على الوقوف في وجه لوبي السلاح الذي يستغل هذه الحرية.
لا يستبعد المراقب أن يكون ترامب نفسه ووزراؤه وأعضاء حزبه منبثين في بعض هذه المنظمات أو يؤيدونها لأن قاعدتهم الانتخابية تتشكل منها، وإلا ما ساووا في الاعتبار بين النازيين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين اشتبكوا في مظاهرتين متزامنتين في ولاية فرجنينا.
كما يوجد في أميركا تطرف أو إرهاب من شكل آخر قلما يشير إليه أو يندد به أحد مع أن خطره على ضحاياه لا يقل عن خطر الإرهاب الدموي، وهو الإرهاب النفسي وبخاصة للأطفال.
ومن ذلك اختراع كينان روبرتس – راعي كنسية في ولاية كلورادو– ماركة إرهابية نفسية مسجلة خاصة بكنيسته وهي "دار جهنم" (Hell House) حيث يُجلب الأطفال وبخاصة من سن الثانية عشرة، من مدارسهم المسيحية الخاصة إليها وبواسطة أبائهم وأمهاتهم، لتعريضهم لرعب وأهوال جهنمية بالصوت والصورة، سيعانون منها في الآخرة إذا لم يكونوا مسيحيين صالحين.
في "دار جهنم" يقوم ممثلون بتجسيد العذاب بأقسى وأبشع صورة عقاباً لأصحابه على آثام معينة كالإجهاض أو المثلية الجنسية... يدور حولهم شيطان مرتدياً ملابس قرمزية في إطار ظلام دامس يلف الأطفال الحاضرين، ورائحة فسفورية ناجحة عن حرق الحجر الجيري وكأنها صادرة عن حرق لحم الإنسان وعظامه، وصراخ عنيف يزلزل المكان صادر عن المدانين والملعونين الخالدين في النار.
وعندما سئل روبرتس فيما إذا كانت هذه المشاهد الجهنمية ستخلق كوابيس عند الأطفال، أجاب وبكل ثقة "الكوابيس لا قيمة لها مقارنة بعذاب الجحيم الذي سينجون منه إذا صاروا مسيحيين صالحين. إن خوفهم من العذاب في جهنم يجعلهم يهجرون الآثام والمعاصي، ويقتلون الأطباء الذين يمارسون الإجهاض وفي هذا خير كثير لهم يتقدم على الكوابيس".
يضخم كثير من رجال الدين المسيحي في أميركا موضوع جهنم لدرجة تجعل الردة صعبة جداً، لأن المسيحي هناك خاضع لشبكة من النظام الاجتماعي الطاغي المتعلق بكنيسته فلا يستطيع النجاة، أو الخروج منها، فيرتد بعضهم سراً.
وعلى منوال دار جهنم، لدى الإسلامويين فيلم مخيف عن أهوال الجحيم وعذاب القبر الفظيع.
يدعو روبرتس إلى "إعلاء شأن اللاتسامح والكراهية لأنه يوجد علينا واجب توراتي لتكوين أمة مسيحية مبنية على شريعة الله والوصايا العشر".
وكما ترون لا تقل الأصولية المسيحوية (الإنجيلية عموماً) في أميركا تطرفاً وإرهاباً عن الأصولية الاسلاموية، ولكنها هناك تقصر عملها في داخل أميركا، بينما تصدرهما الإسلاموية إلى العالم أجمع.
الغد 2018-01-05