أبناء القلعة: ما أحلى عمان!
بدأ التلفزيون الأردني وتلفزيون ابوظبي ببث حلقات المسلسل التلفزيوني المأخوذ عن رواية المبدع الأردني الراحل زياد القاسم (ابناء القلعة) والتي تتناول تكوين عمان التاريخي وتطورها، ويرصد المسلسل عبر 60 حلقة الحقبة الممتدة من نهاية الاربعينيات الى حرب 1967 بكل ما شهدته من تحولات سياسية واستراتيجية واقتصادية واجتماعية وثقافية؛ المسلسل التلفزيوني ما يزال في بدايته وهذه دعوة الى الجمهور بالعودة الى التلفزيون قليلا ومشاهدة عمل درامي ضخم ومختلف، فيه الكثير من الابداع والجاذبية الجديدة التي لم نعتد عليها في الاعمال التلفزيونية التي تناولت الشأن الاردني دراميا.
ما يلفت الانتباه منذ الحلقات الاولى للمسلسل- وربما ما دفعني للكتابة عن هذا العمل- هو جمال عمان في ذلك الوقت بشوارعها وناسها؛ تلك الشوارع والدروب الصغيرة المؤثثة بالبيوت البيضاء والشجر والناس والمقاهي والاحلام والشجارات الصغيرة والمصاهرات البعيدة والقريبة، طلبة المدارس والعشاق الصغار، ووجوه البدو والفلاحين والشراكسة والمهاجرين الجدد والقدامى. ليس المهم في هذا العمل تطور الخط الدرامي والحبكة والغموض بقدر اهمية التفاصيل الصغيرة في جبل القلعة وجواره التي أبدع القاسم في رسمها، وابدعت الكاميرا في اعادة تشكيلها من جديد.
يرصد العمل هوية نامية لمدينة عربية ناشئة تعكس حالة من التنوع المدهش والعيش المشترك ربما لم تشهده مدينة عربية اخرى مثلما شهدته عمان وسط تيارات سياسية سوف تزداد قوة وحضورا مع نمو افكار القومية العربية ونهوضها ثم انتكاسها وتراجعها، في العمق تبدو التحولات الاقتصادية اساسا متينا يشيَّد على اساسه معمار التفاعلات اليومية والعلاقات بين الافراد والاسر بعمق انساني فيه الكثير من الواقعية والسحرية القريبة من الحياة.
لقد ظلم التلفزيون والانتاج الدرامي بشكل عام المكان الأردني كثيرا وحتى في مراحل عز وازدهار الانتاج التلفزيوني الذي عالج مرارا مراحل من تطور المجتمعات المحلية في الأردن، غابت كثيرا هوية المكان ولم يتم الاحتفاء بها او حتى تقديمها بصورة موضوعية الا في مرات نادرة، ونتذكر كيف كنا نسخر من الاعمال الدرامية الأردنية التي تصر على عدم منح القرى هوية فكل قرى المسلسلات كانت تسمى "القرية" بدون هوية والمدن كان يطلق عليها "المدينة" بدون اسم، وحتى عمان كانت تسمى العاصمة بدون اسم او هوية.
حدث ذلك، في الوقت الذي شهدنا منذ منتصف الثمانينيات الى ايامنا هذه ازدهارا للرواية الاردنية التي تحتفي بالمكان الأردني وظهرت العديد من الاعمال الادبية العربية والاردنية المهمة تناولت عمان ومدنا وبلدات اردنية مثل اعمال عبد الرحمن منيف وسميحة خريس ومؤنس الرزاز والياس فركوح وهاشم غرايبة وجمال ابو حمدان وغيرهم، ولعل من المفيد الاشارة الى ان جاذبية عمان غير المكتشفة الى اليوم في الكثير من ملامحها تنطوي على مخزون هائل من عناصر ما يسمى الواقعية السحرية بنسختها العربية المشرقية، والتي تعكسها سيرة مدينة مملوءة بالهواء والضجيج معا، مدينة انتقلت الكثير من المدن العربية اليها لكنها بقيت عمان.
بعد اقل من اربعة اعوام يفترض ان تحتفل عمان بمرور قرن على اتخاذها عاصمة للبلاد؛ تحتاج هذه المناسبة الى استعداد يليق بمكانة هذه المدينة ويعيد اكتشاف اسرارها من جديد.
الغد 2018-01-06