يجب ان نتوقف عن معالجة عجز الموازنة
اكثر من 90% من موازنات دول العالم تواجه العجز في موازناتها ومع ذلك لا تعالج هذا العجز ولا تتذمر من وجوده طالما ان هناك قطاعات اقتصادية منتجة تحرك النمو وتدعم الدخول.
اعتقد اننا قد غالينا في الحديث عن عجز موازنتنا حتى اصابنا العمى الاقتصادي وركزنا جل همنا على هذا المتغير وكرسنا كل الطاقات لمعالجته ونسينا أو تناسينا ان الاقتصاد موضوع اكبر من عجز الموازنة.
ان توجيه الطاقات الحكومية المستمر نحو البحث عن حلول لتخفيض عجز الموازنة أوقعنا في فخ وحصرنا في زاوية صندوق مغلق يصغر حجمه يوماً بعد آخر ويقلص امامنا الحلول.
وانا انادي من هذا العمود الاقتصادي التوقف عن ايجاد حلول لمعالجة عجز الموازنة لأن ذلك اوصلنا لطريق مسدود لا يمكن فتحه الا من خلال مزيد من ضغط الانفاق ومزيد من زيادة الايرادات الغير محمودة.
ان سير الحكومات المتعاقبة في هذا الطريق اثر على متغيرات ومؤشرات اقتصادية مهمة جدا لصحة الاقتصاد ؛ فلا بد ان تتزامن سياسات الانكماش مع التوجه نحو رفع اسعار الفوائد، والضرائب، وتخفيض أو الغاء الدعم، وتضخيم الاسعار،وانخفاض الدخول، وتحجيم الطلب الكلي، ووضع العقبات امام عجلة النمو، والذي يمكن في النهاية ان يتوقف عن الدوران في حالة مثل حالة الاردن لإغفالنا الجوانب الاخرى من الاقتصاد المتمثلة بالانتاج والتصدير والانفاق الاستهلاكي والاستثماري.
لقد اضعفنا الانفاق الاستهلاكي واضعفنا الانفاق الاستثماري واضعفنا الانفاق الحكومي واضعفنا الطلب التصديري وضاعفنا الطلب الاستيرادي، وبذلك لم يبق شيء من محركات الاقتصاد الا واضعفناه بحجة معالجة عجز الموازنة .
وفي الجانب الآخر نجد الإستخدام المفرط من قبل العقل الاقتصادي في استغلال عمليات السوق المفتوح كوسيلة من وسائل التداين الداخلي في تمويل الانفاق . لقد تأزًمت المشكلة اكثر واختطفت من السلطة النقدية أداة مهمة جدا للتحكم في عرض النقد، ولا استطيع هنا ان اغفل تأثير زيادة انواع الضرائب على اسعار الفوائد .
لقد اصبح البنك المركزي امام معضلة جديدة تتمثل في ضرورة اللحاق بأسعار الفوائد على الدولار لتعزيز تنافسية الدينار - والتي ادت الى رفع اسعار الفوائد مؤخرا الى مستويات ستؤثر سلبا على حجم التسهيلات والاستثمار والاستقرار النقدي - وأمام معضلة تأثير السياسة المالية السلبي على مستوى الاسعار والفوائد.
استطيع ان أستمر بلا توقف في الحديث عن تعقيدات معالجة عجز الموازنة خصوصاً في ظل وجود قطاع انتاجي وتصديري ضعيف، واعتقد ان الوقت قد حان للتفكير في ايجاد حلول لسد عجز الموازنة من خلال التفكير في الجزء الثاني من الكوب المتمثل في دفع النمو الاقتصادي الحقيقي قبل ان ننهكه اكثر من ذلك.
الدستور 2018-01-05